الفصل السابع والخمسون—الفلسطينيون يستولون علي التابوت
لقد قدم لبيت عالي إنذار آخر . والرب لم يستطع أن يتحدث مع رئيــس الكهنة أو بنيه ، حيث كانت خطاياهم كسحابة كثيفة حجبت عنهم حضور الروح القدس . ولكن ظل في وسط الشر أمينــاً للسماء ، وكانت رسالة الدينونة لبيت عالي هي مأمورية صموئيل كنبي لله العلي .AA 522.1
( وكانن كلمة الـــرب عزيزة في تلك الآيام . لم تكن رؤيا كثيــراً . وكان في ذلك الزمان إذ كان عالي مضطجعـاً في مكانــه وعيناه ابتدأتا تضعفان لم يقدر آن يبصــر . قبل آن ينطفئ سراج الـلــه ، وصموئيل مضطجع في هكيل الـــرب الذي فيه تابوت الـلــه ، أن الـــرب دعا صموئيل ) (انظر 1 صموئيل 3 - 7) فإذ ظن أن الصوت هو صوت عالي ركض الصبي الى جوار سرير الكاهن قـائــلاً له : )هآنذا لآنك دعوتني(فكان الجواب ( لم أدع يا ابني . ارجع اضطجع ( وقــد دعي صموئيل ثلاث مرات فأجاب على الدعوة بنفس الكيفية . وحينئــذ إقتنــع عالي بأن تلك الدعوة الغامضة هي صوت الـلــه . لقد غض الرب الطرف عن عبده المختــار الرجل الذى كلل الشيب رأسه ليتحدث مع صبي . كان هذا في ذاته توبيخا صارما ومرا لعالي وبيته ، ولكنهم كانوا يستحقونه .AA 522.2
لم يوقظ هذا روح الغيرة أو الحسد في نــفـــس عالي . ولكنه أوصى صموئيل إذا دعاه الصوت مرة أخرى أن يقول : ( تكلم يا رب لآن عبدك سامع ) . إن تفكيره في كون الـلــه العظيم يكلمه مــلأه بالرهبة حتى لقد نسى نــفـــس الكلمات التي أمره عالي أن يقولها .AA 522.3
( فقال الـــرب لصموئيل : هوذا أنا فاعل أمرا في إسرائيل كل من سمع به تطن أذناه . في ذلك اليوم أفيم على عالي كل ما تكلمت به على بيته . أبتدئ وأكمل . وقد أخبرته بأني أقضي على بيته إلى الأبــد من آجل الشر الذى يعلم أن بنيه قــــــد أوجبوا به اللعنه على أنفسهم ، ولم يردعهم . ولذلك أقسمت لبيت عالي أنه لآ يكفرعن شر بيت عالي بذبيحة آو بتقدمه إلى الأبــــد (.AA 522.4
قبل تسلم هــذه الرسالة من الـلــه : ( لم تعرف صموئيل الـــرب بعد ، ولآ أعلن له كلام الـــرب بعد ) ومعنى ذلك أنه لم يكن قــــد اختبر إعــلانــاً كهذا عن ظهور الـلــه المباشر له كما قــــد أعطي للأنبيــاء . لقد قصد الـلــه أن يعلن نفسه بكيفية غير منتظرة حتى يسمع عالي بذلك عن طريق دهشة ذلك الشاب وسؤاله .AA 523.1
امتلأ صموئيل خوفا وذهولا عندما فكر في الرسالة المخيفة المسلمة إليه . وفي الصباح ذهب ليقوم بواجباته كالمعتاد ولكن ثقلاً هائلاً كان يجثم على قلبه الصغير . إن الرب لم يأمره أن يكشف عن ذلك الإنذار المخيف ، ولهذا فقد ظل صامتــاً ، محاولا على قــــدر الإمكان ألا يلتقي بعالي . وقــد ارتجف خشيــة أن يحرجه عالي بأسئلته فيضطر أن يعلن أحكام الـلــه على ذلك الكاهن الشيخ الذي كان يحبه ويوقره . كان عالي موقنا بأن الرسالة تنبئ عن كارثــة عظيمة ستحل به وببيته ، فدعا صموئيل وطلب منه أن يخبره بكل أمانة عما قــــد أعلنه له الرب ، فأجابه الشاب إلى طلبه . وهنا انحنى ذلك الشيخ في خضوع ذليل أمام ذلك الحكم المخيف وقـــال : )هو الـــرب . ما يحسن في عينيه يعمل ) .AA 523.2
ومع ذلك فإن عالي لم يظهر ثمار التوبة الحقيقية . لقد اعترف بذنبه ولكنه لم يقو على الإقلاع عن الخطية . وكان الرب من سنة إلى سنة يؤجل إيقاع أحكامه التي قد هدد بها عالي وبيته . وفي خلال تلك السنين كان يستطيع عالي القيام بأعمال كثيرة ليجبر إخفاقه الماضي ، ولكن ذلك الكاهن الشيخ لم يقم بأي عمل حاسم للقضاء على تلك الشرور التي كانت تدنس مقدس الرب والتي كانت تسوق آلافا من بني إسرائيل إلى الهلاك . هذا وإن صبر الـلــه وطول أناته جعلا حفني وفينحاس يقسيان قلبيهما ويرتكبان خطية العصيان على الـلــه بأعظم جرأة . لقد أخبر عالي الأمة كلها برسائل الإنذار والتوبيخ الموجهة إلى أهل بيته ، وبهــذه الوسيلة حاول أن يصد ، إلى حد ما ، الآثار الشريرة لإهماله السالف . ولكن الشعب استخف بالإنذارات كما قد فعل الكهنة . ثم إن الشعوب المجاورة لإسرائيل أيضا لم تكن تجهل الآثام التي كان بنو إسرائيل يرتكبونها جهارا ، ولذلك زادت تلك الشعوب جرأة في عبادة الأوثان وارتكاب الجرائم دون أن يشعروا بالحزن على جرائمهم ، كما كانوا سيحزنون على آثامهم ويرتدعون عن الشر لو حرص بنو إسرائيــل على استقامتهم . ولكن يوما للقصاص كان قادما . لقد طرح الناس سلطان الـلــه جانبا ، كما أهملوا عبادته واستهانوا بها ، ولذلك صار من الضروري أن يتدخل الـلــه لكي تحفظ كرامة اسمه .AA 523.3
( وخرج إسرائيــل للقاء الفيسطيينين للحرب ، ونزلوا عند حجر المعونة ، وأما الفيسطينيون فنزلوا في آفيق) وقــد شرع الإسرائيليون في القيام بهذه الحملة بدون استشارة الـلــه وبدون رضى كاهن أو نبي ، ( واصطف الفلسطينيون للقاء إسرائيــل ، واشتبكت الحرب فانكسر إسرائيــل أمام الفلسطينيين ، وضربوا من الصف في الحقل نحو أربعة آلآف رجــل ) فلما ارتد الجيش المحطم الخائر إلى محلتهم ( قـــال شيوخ إسرائيــل : لماذا كسرنا اليوم الـــرب أمام الفلسطينيين ) لقد كانث الأمة قــــد استحصدت ، وحان وقث دينونة الـلــه ، ولكنهم مع ذلك لم يروا أن خطاياهم هي التي بسببها حلت بهم تلك الكارثــة المخيفة ، فقالوا : ( لنأخذ لآنفسنا من شيلوه تابوت عهد الـــرب فتدخل في وسطنا ويخلصنا من يد آعدائنا ) ولكن الرب لم يكن قــــد أمرهم أو أذن لهم أن يأتوا بالتابوت إلى حيث كان الجيش ، ومع ذلك فقد كانوا واثقين من أن النصر سيكون حليفهم ، وقــد هو هتفوا هتافا عظيما حين حمله بنو عالي إلى المحلة .AA 524.1
نظر الفلسطينيون إلى التابوت على أنه إله إسرائيــل . فكل العظائم التي قــــد صنعها الـلــه مع شعبه نسبت إلى قوة التابوت . وإذ سمعوا هتافات الفرح من محلة إسرائيــل عند قدومه قالوا : ( ما هو صوت هذا الهتاف العظيم في محلة العبرانيين وعلموا أن تابوت الـــرب جاء إلى المحلة . فخاف الفلسطينيون لأنهم قالوا : «قد جاء الـلــه إلى المحلة» . وقـــالوا : ويل لنا لآنه لم يكن مثل هذا منذ أمس ولآ ما قبله ! ويل لنا ! من ينقذنا من يد هؤلآء الآلهة القادرين ؟ هؤلآء هم الآلهة الذين ضربوا مصر بجميع الضربات في البرية . تشددوا وكونوا رجالاً أيها الفلسطينيون لئلا تستعبدوا للعبرانيين كما استعبدوا هم لكم .فكونوا رجالاً و حاربوا ) .AA 524.2
هجم الفلسطينيون هجوما عنيفا فانهزم إسرائيــل وهلك منهم جمع غفير ، وسقط منهم ثلاثون ألفا في ساحة القتال ، وأخذ تابوت الـلــه إذ سقط أبناء عالي وماتا وهما يذودان عنه . وهكذا سطرت على صفحات التاريخ مرة أخرى شهادة لكل الأجيال اللاحقة - بأن آثام المدعوين شعب الـلــه لن تترك بدون قصاص . فكما زادت معرفة الناس لإرادة الـلــه عظمت خطية من يستخفون بها .AA 524.3
لقد حلت بإسرائيل أعظم كارثــة مخيفة كان يمكن وقوعها . إذ أن تابوت الـلــه قد أخذه العدو واستولى عليه ، فزال المجد حقا من إسرائيل حين أخذ من وسطهم رمز حضور الـلــه الدائم وقوته ، لأن هذا التابوت المقدس كان مقترنا بأعجب إعلانات حق الـلــه وقدرته . في الأيام الغابرة كانوا يحرزون انتصارات عجائبية كلما ظهر التابوت بينهم ، كان مظللا بأجنحة الكروبيم الذهبية ولقد حل عليه في قدس الأقداس مجد الـلــه (الشكينا) الذي لا يعبر عنه والذي كان هو الرمز الظاهر لله العلي . أما الآن فلم يحرز لهم نصرة ولم يبرهن على أنه قوة للدفاع في هذه المرة . فكان حزن وصراخ في كل إسرائيل .AA 525.1
إنهم لم يدركوا أن إيمانهم كان مجرد إيمان إسمي فلم تكن فيه قوة للغلبة مع الـلــه ، كما أن شريعة الـلــه الموضوعة في التابوت كانت رمزا أيضا لحضوره ، ولكنهم جلبوا الازدراء والاحتقار على تلك الوصايا واحتقروا مطالبيها وأحزنوا روح الرب فتركهم . إن الشعب حين أطاعوا الوصايا المقدسة كان الرب معهم وعمل لأجلـــهم بقوته غير المحدودة ، ولكنهم حين نظروا إلى التابوت ولم يروا علاقته بالـلــه ولم يكرموا إرادة الـلــه المعلنة لهم بالطاعة لشريعته ، لم يكن التابوت ليجديهم نفعا أكثر من صندوق عادي . لقد نظروا إلى التابوت نظرة الوثنيين إلى أصنامهم كما لو كان مزودا في ذاته بعناصر القوة والخلاص . فتعدوا الشريعة التي كان التابوت يحتويها لأن عبادتهم للتابوت قادتهم إلى المحافظة على الرسوم الخارجية الشكلية وإلى الرياء وعبادة الأوثان . إن خطيتهم فصلتهم عن الـلــه ، فلم يمكنه أن يعطيهم انتصارا إلا إذا تابوا وتركوا آثامهم .AA 525.2
لم يكن وجود التابوت والمقدس في وسط إسرائيل كافيا ، ولم يكن يكفي أن يقدم الكهنة الذبائح وأن يدعى الشعب أولادا لــلـــــه . لأن الـلــه لا يقبل صلاة أولئك الذين يراعون الإثم في قلوبهم ، كما هو مكتوب : ( من يحول أذنه عن سماع الشريعة ، فصلاته أيضا مكرهة ) (أمثال 28 : 9) .AA 525.3
وحين خرج الشعب للحرب بقي عالي في شيلوه لأنه كان رجلا شيخا وأعمى . وهناك بقلب مضطرب وبتطير عظيم كان ينتظر نتيجة المعركة ، ( لأن قلبه كان مضطربا لآجل تابوت الـلــه ) وإذ اتخذ لنفسه مكانا خارج باب الخيمة كان يجلس بجانب الطريق العام يوما بعد يوم منتظرا بجزع رسولا ما من ساحة القتال .AA 525.4
أخيرا أتى رجل من بني بنيامين وكان يصعد إلى المدينة مسرعا ( وثيابه ممزقة وترابا على رأسه ) وإذ مر بغير اكتراث بذلك الشيخ الجالس بجانب الطريق ، أسرع راكضا إلى المدينة وأخبر جموع الناس المتلهفين بأنباء الهزيمة والخسارة .AA 526.1
وصلت أصوات النوح والعويل إلى مسمع ذلك الشيخ الذي كان يراقب بجانب الخيمة . ولما أتي بالرسول إليه قال الرجل لعالي : ( هرب إسرائيل أمام الفلسطينيين وكانت أيضاً كسرة عظيمة في الشعب ، ومات أيضاً ابناك حفني و فينحاس ) وقد استطاح عالي أن يحتمل كل هذا لأنه كان يتوقعه مع أنه كان مرعبا جدا . ولكن حين أضاف الرسول قائلا : ( وأخذ تابوت الـلــه) بدت على وجه عالي علائم حزن لا يعبر عنه . إن فكرة كون خطيته جلبت العار والهوان على الـلــه إلى هذا الحد وجعلته يترك شعب إسرائيــل كانت أعظم مما يستطيع احتماله ، ففارقته قوته فسقط ( فانكسرت رقبته ومات) .AA 526.2
إن امرأة فينحاس مع كون رجلها شريرا كانت امرأة تخاف الرب . إلا أن موت حميها ورجلها ، وفوق الكل ذلك الخبر المرعب ، خبر أخذ تابوت الـلــه ، كان سببا في موتها ، إذ أحست أن آخر رجاء لإسرائيل قد فارقه . وفي ساعة شـدتها دعت ابنها المولود لها إيخابود )غير مجيد) ، وفي وقت احتضارها كانت تردد هذه الكلمات بحزن عميق : ( زال المجد من إسرائيــل . لآن تابوت الـلــه قد أخذ ) .AA 526.3
ولكن الـلــه لم يرفض شعبه رفضا باتا ، ولم يسمح أن يعتز الوثنيون ويطربوا ويفرحوا طويلا ، بل استخدم الفلسطينيين كسوط لتأديب إسرائيل كما استخدم التابوت لمعاقبة الفلسطينيين . كان حضور الـلــه في الأيام الغابرة ملازما للتابوت ليكون عزا ومجدا لشعبه المطيع . ولا بد من أن يلازمه ذلك الحضور الخفي ليجلب الرعب والهلاك على من يتعدون شريعته المقدسة . أحيانا كثيرة يستخدم الـلــه ألد أعدائه لمعاقبة عدم الأمانة في المدعوين شعبه ، فقد ينتصر الأشرار ويفتخرون إلى حين عندما يرون إسرائيل يقاسون أهوال التأديبات ، ولكن سيأتي الوقت الذي فيه سيواجهون الحكم عليهم من الـلــه القدوس الذي يكره الخطية ، إذ أينما يبقي الناس على الإثم فلا بد من أن تدركهم دينونة الـلــه السريعة التي لا تخطئ .AA 526.4
نقل الفلسطينيون التابوت إلى أشدود إحدى مقاطعاتهم الخمس العظمى ، وهم معتزون ومنتصرون ، ووضعوه في بيت إلههم داجون ، وتصوروا أن القوة التي لازمت التابوت قبلا ستكون من نصيبهم ، وأن هذه القوة مضافا إليها قوة داجون ستجعلهم من القوة بحيث لا يمكن أن ينغلبوا . ولكن عندما دخلوا هيكل إلههم في غداة اليوم التالي رأوا منظرا مــلأهم دهشة ورعبا . رأوا داجون ساقطا بوجهه على الأرض أمام تابوت الرب . فرفع الكهنة الصنم بكل وقار وأعادوه إلى مكانه . وإذ بهم في صبيحة اليوم التالي يرونه مبتورا ومشوها تشويها غريبا وساقطا أمام التابوت . كان النصف الأعلى لذلك الصنم على صورة إنسان أما النصف الأسفل فكان على هيئة سمكة ، فلقد بتر من ذلك الصنم كل ما يشبه الإنسان ولم يبق غير بدن السمكة ، وحينئــذ شمل الكهنة والشعب رعب عظيم ، ونظروا إلى ذلك الحادث المبهم على أنه نذير شؤم ينبئ بهلاكهم وهلاك أصنامهم أمام إله العبرانيين . فنقلوا التابوت من هيكلهم ووضعوه في مبنى منعزل .AA 527.1
وقد ضرب سكان أشـدود بمرض خطر ومميت . وإذ ذكروا الضربات التي أوقعها إله إسرائيل على المصريين نسب الشعب بلاياهم إلى وجود التابوت بينهم فقرروا نقله إلى جت . ولكن الوبأ لازمه ، فأرسله سكان جت إلى عقرون . وهناك استقبله العقرونيون بالصراخ قائلين في رعب : “قد نقلوا إلينا تابوت إله إسرائيــل لكي يميتونا نحن وشعبنا ( ثم اتجهوا إلى آلهتهم في طلب الحماية كما قد فعل سكان جت وأشدود ولكن الوبأ المهلك كان يعمل عمله حتى أنهم في كربهم ) ( صعد صراخ المدينة إلى السماء ) وإذ كانوا يخشون من إبقاء التابوت بين مساكن الناس وقتا أطول وضعوه في الخلاء ، فتبعت ذلك ضربة الفيران التي عاشت في البلاد وأتلفت محاصيل الأرض في المخازن وفي الحقول . والآن صارت الأمة كلها مهددة بالهلاك الشامل إما بالمرض أو بالجوع .AA 527.2
بقي التابوت في أرض الفلسطينيين سبعة أشهر . ولم يحاول بنو إسرائيل في خلال هذه المدة الطويلة أن يستردوه . ولكن الفلسطينيين صاروا راغبين الآن ومشتاقين إلى التخلص من وجود التابوت بقدر ما كانوا راغبين في الاستيلاء عليه في بادئ الأمر . فبدلا من أن يكون مصدر قوة لهم صار عبئا ثقيلا ولعنة ساحقة . ولكنهم لم يكونوا يعلمون ماذا يفعلون ، ولا أي طريق يسلكون ، لأنه أينما أخذ التابوت كانت الضربات تلاحق الناس . فاستدعى الشعب أقطاب الأمة وكهنتها وعرافيها وسألوهم بلهفة قائلين : ( ماذا نعمل بتابوت الـــرب ) أخبرونا بماذا نرسله إلى مكانــه ( فنصحوهم بأن يعيدوه بقربان إثم غال . ثم قـــال الكهنة : ( حينئذ تشفون ويعلم عندكم لماذا لآ ترتفع يده عنكم ) .AA 527.3
كانت العادة عند الوثنيين لإبعاد ضربة أو رفعها ، أن يصنعوا تمثالا من ذهب أو فضة أو مادة أخرى لذلك الشيء الذي تسبب في الخراب ، أو الشيء أو الجزء المصاب من الجسم ، وكان هذا التمثال يوضع على عمود أو في مكان ظاهر ، وكان يعتبر واقيا فعالا من الشرور والأوبئة . ولا تزال بين الشعوب الوثنية عادات مشابهة لهذه . وحين يذهب إنسان متألم من مرض إلى هيكل صنمه للاستشفاء فإنه يحمل معه صورة للجزء المصاب ويقدمها تقدمة لإلهه .AA 528.1
وتبعا للخرافات السائدة حينئذ أرشـد أقطاب الفلسطينيين الشعب ليصنعوا تماثيل للضربات التي قــــد أصابتهم . ( حسب عدد أقطاب الفلسطينيين . خمسة بواسير من ذهب ، وخمسة فيران من ذهب . لآن الضربة واحدة عليكم جميعاً وعلى أقطابكم ) .AA 528.2
إن هؤلاء الرجال الحكماء اعترفوا بوجود قوة خفية تصاحب التابوت - قوة لم تستطع حكمتهم أن تقاومها . ومع ذلك فإنهم لم ينصحوا شعبهم بالرجوع عن وثنيتهم ليعبدوا الرب . كانوا لا يـزاًلون سادرين في كراهيتهم لإله إسرائيــل مع أنهم أجبروا بسبب الضربات الهائلة التي حلت بهم أن يخضعوا لسلطانه . وهكذا يقتنع الخطاة بسبب دينونة الـلــه ، أنهم عبثا يحاربون . وقــد يرغمون على الخضوع لقوته بينما هم في قلوبهم يتمردون على سلطانه . مثل هذا الخضوع لا يستطيع أن يخلص الخاطئ ، بل ينبغي أن يسلم القلب لله - ينبغي أن تخضعه النعمة الإلهية - قبلما تقبل توبة الإنسان .AA 528.3
ما أطول أناة الـلــه على الأشرار ! إن الفلسطينيين الوثنيين والإسرائيليين المرتدين تمتعوا بعطايا عنايته سواء بسواء . فكانت مراحم لا حصر لها وغير ملحوظة تنزل بسكون في طريق الناس الجاحدين المتمردين . وكل بركة من هذه البركات كانت تحدثهم عن المعطي الكريم ، ولكنهم لم يكترثوا لمحبته . لقد كان احتمال الـلــه لبني الإنسان عظيما ، ولما أصروا بكل عناد على عدم توبتهم رفع عنهم يده الحافظة . لقد رفضوا الإصغاء إلى صوت الـلــه في أعماله التي خلقها وفي إنذارات كلمته ومشوراتها وتوبيخاتها ، ولذلك اضطر إلى أن يخاطبهم بواسطة أحكامه ودينونته .AA 528.4
وجد بين الفلسطينيين قوم وقفوا مستعدين لمقاومة فكرة إعادة التابوت إلى أرضه . كانوا يعتقدون أن اعترافا كهذا بقدرة إله إسرائيل ينطوي على الإذلال لكبرياء فلسطين . ولكن )الكهنة والعرافين ( أنذروا الشعب ألا يتشبهوا بفرعون والمصريين في عنادهم وإلا جلبوا على أنفسهم ويلات أعظم ، فاقترح تدبير حازم رضي به الجميع ، فنفذوه في الحال . فوضع التابوت ومعه قربان الإثم الذهبي على عجلة جديدة وبذلك استبعدوا كل خطر للنجاسة . وربطوا إلى هذه العجلة أو العربة بقرتين مرضعتين لم يعلهما نير وحبسوا ولديهما في البيت . تركت البقرتين تسيران إلى حيث راقهما . فإذا عاد التابوت إلى الإسرئيليين عن طريق بيتشمس التي هي أقرب مدن اللاويين فيعتبر الفلسطينيون هذا برهانا على أن إله إسرائيل هو الذي أوقع بهم هذا الشر العظيم . ثم قالوا : ) وإلا فنعلم أن يده لم تضربنا . كان ذلك علينا عرضاً) .AA 529.1
فلما أطلقت البقرتان تركتا ولديهما واستقامتا في الطريق إلى بيتشمس و هما تجأران . و بدون أن تقودهما يد بشرية ، سارت تانك البهيمتان الصبوران في طريقهما . لقد كان حضور الله يلازم التابوت فوصل إلى المكان المعين سالماً .AA 529.2
كان ذلك الوقت موسم حصاد الحنطة و كان رجال بيتشمس يجمعون حصادهم في الوادي “فرفعوا أعينهم ورأوا التابوت وفرحوا برؤيته . فأتت العجلة إلى حقل يهوشع البيتشمسي ووقفت هناك . و هناك حجر كبير . فشققوا خشب العجلة وأصعدوا البقرتين محرقة الرب( ثم أن أقطاب الفلسطينيين الذين ساروا وراء التابوت ”إلى تخم بيتشمس) وشاهدوا استقبال الشعب له عادوا إلى عقرون ، فانقطعت الضربة واقتنع الفلسطينيون بأن الكوارث التي ألمت بهم كانت قصاصا أوقعه عليهم إله إسرائيل .AA 529.3
وسرعان ما نشر أهل بيتشمس ذلك النبأ وهو أن التابوت في حوزتهم فتقاطر الناس من المدن المجاورة للترحيب بعودته . وضع التابوت على الحجر الذي قــــد استعمل أولا مذبحا ، كما قدمت أمامه ذبائح أخرى للرب . ولو أن أولـئــك الناس تابوا عن خطاياهم توبة حقيقية لكانت بركة الرب قــــد حلت عليهم . ولكنهم لم يطيعوا شريعته بأمانة ، وحين فرحوا بعودة التابوت على أنه بشير خير لم يكن فيهم إحساس حقيقي بقداسته . وبدلا من إعداد مكان مناسب ليضعوه فيه أبقوه في الحقل . وإذ ظلوا يشخصون في ذلك التابوت المقدس ويتحدثون عن الكيفية العجيبة التي بها أعيد إليهم جعلوا يحدسون في أي شيء تكمن قوته . فلما غلبهم الفضول أخيرا رفعوا الغطاء وتجاسروا على فتحه .AA 529.4
لقد تعلم بنو إسرائيل جميعا أن ينظروا إلى التابوت بكل تهيب ووقار . وحين كان ينقل من مكان إلى آخر لم يسمح للاويين أن يشخصوا بأبصارهم إليه ، ولم يكن يسمح لرئيــس الكهنة برؤية تابوت الـلــه إلا مرة واحدة في السنة . وحتى الفلسطينيون الوثنيون أنفسهم . لم يجرؤوا على رفع الغطاء عنه . وإن ملائك السماء غير المنظورين كانوا يلازمون التابوت في كل رحلاته . وسرعان ما عوقب شعب بيتشمس على جرأتهم الوقحة إذ ضرب كثيرون منهم وماتوا .AA 530.1
أما الباقون منهم فلم يجعلهم هذا الحكم يتوبون عن خطيتهم ، ولكنهم كانوا ينظرون إلى التابوت بخوف خرافي فقط . وإذ كان أهل بيتشمس يتوقون إلى أن يؤخذ التابوت من بينهم ، وفي نــفـــس الوقت لم يكونوا يجسرون على نقله ، بعثوا برسالة إلى سكان قرية يعاريم يدعونهم لكي يأخذوه . فرحب أهل تلك القرية بالتابوت المقدس بفرح عظيم . لقد عرفوا أنه ضامن لرضى الـلــه على المطيعين والأمناء . وبفرح مقدس أتوا به إلى مدينتهم ووضعوه في بيت أبيناداب أحد اللاويين . وقــد أقام هذا الرجل ابنه ألعازار لحراسته فبقي التابوت هناك سنين طويلة .AA 530.2
وفي خلال السنين التي مرت منذ أعلن الرب نفسه لابن حنة أول مرة اعترفت الأمة كلها بأن صموئيل قــــد دعي ليكون نبيا للرب . وإذ قــــدم صموئيل الإنذار الإلهي لبيت عالي بأمانة مع ما كان ينطوي عليه أداء ذلك الواجب من مشقة وألم ، برهن على ولائه كرسول للرب “وكان الـــرب معه ، ولم يدع شيئا من جميع كلامه يسقط إلى الآرض . وعرف في جميع إسرائيــل من دان إلى بئر سبع آنه قــــد اؤتمن صموئيل نبيا للرب ( .AA 530.3
وقــد استمر شعب إسرائيــل كأمة في حالة الزندقة والوثنية فعاقبهم الـلــه بأن جعلهم مستعبدين للفلسطينيين . وفي أثناء ذلك جال صموئيل في طول البلاد وعرضها ، يزور المدن والقرى طالبا إرجاع قلوب الشعب إلى إله آبائهم ، ولم تكن مساعيه بدون نتائج حسنة . وبعدما احتمل الإسرائيليون ظلم أعدائهم ومضايقاتهم عشرين سنة “ناح كل بيت إسرائيــل وراء الـــرب ” فنصحهم صموئيل بقوله : ( إن كنتم بكل قلوبكم راجعين إلى الـــرب ، فانزعوا الآلهة الغريبة والعشتاروت من وسطكم ، وأعدوا قلوبكم للرب واعبدوه وحده ) وهنا نرى أن التقوى العملية والديانة القلبية كان الشعب قــــد تعلموها في أيام صموئيل كما علم بها المسيح حين كان على الأرض . وبدون نعمة المسيح كانت طقوس الديانة الخارجية عديمة الجدوى لإسرائيل قديما ، كما هي لإسرائيل اليوم .AA 530.4
إن الحاجة اليوم هي إلى انتعاش الديانة القلبية الصادقة كذلك الانتعاش الذي قــــد اختبره إسرائيــل قديما . فالتوبة هي أول خطوة ينبغي أن يخطوها كل من يرغبون في الرجوع إلى الـلــه . ولا يستطيع أحد أن يفعل هذا نيابة عن أي إنسان آخر . فعلى كل فرد منا أن يتذلل أملم الـلــه ويطرح أصنامه بعيدا . ومتى فعلنا كل ما نستطيعه يعلن لنا الرب خلاصه .AA 531.1
وإذ تعاون رؤساء الأسباط معا اجتمع شعب غفير إلى المصفاة ، وصام الشعب صوما مقدسا واعترفوا بخطاياهم في تذلل عميق . وكدليل على تصميمهم على إطاعة الإرشادات التي قــــد سمعوها قلدوا صموئيل سلطة القاضي .AA 531.2
فسر الفلسطينيون هذا التجمع على أنه مجلس حرب فأتوا بجش عظيم ليشتتوا شمل الإسرائيليين قبل اكتمال خططهم الحربية . فأثار نبأ قدومهم ذعرا شـديدا في قلوب بنى إسرائيــل حتى توسلوا إلى صموئيل قائلين : ( لآ تكف عن الصراخ من آجلنا إلى الـــرب إلهنا فيخلصنا من يد الفلسطينيين ) .AA 531.3
وفيما كان صموئيل يقدم حملا محرقة للرب اقترب الفلسطينيون إليهم ليحاربوهم . وإذا بالإله القدير الذي قد نزل على جبل سيناء في وسط النار والدخان والرعود ، والذي شق مياه بحر سوف ، والذي فتح في نهر الأردن طريقا لبني إسرائيل ، يظهر قوته مرة أخرى . ذلك أن عاصفة راعدة شـديدة هبت على الجيش المهاجم فهلك كثيرون منهم وتبعثرت جثث أولئك المحاربين الأشداء ، على وجه الغبراء .AA 531.4
وقف الإسرائيليون في صمت مهيب وهم يرتجفون بين الرجاء والخوف . ولما شاهدوا تلك المقتلة التي هلك فيها أعداؤهم بسيف الرب علموا أن الرب قد قبل توبتهم . ومع أنهم لم يكونوا متأهبين للقتال فقد أمسكوا بأسلحة الفلسطينيين القتلى وطاردوا فلول الجيش الهارب إلى بيت كار . هذا النصر الفريد أحرزه شعب الرب في نفس الميدان الذي كانوا قد انهزموا فيه وقتل منهم خلق كثيرون ومات الكهنة وأخذ تابوت الـلــه منذ عشرين سنة خلت . إن سبيل الطاعة لــلـــــه هو سبيل الأمان والسعادة للأمم كما للأفراد ، أما سبيل العصيان فنهايته الهزائم والكوارث . وقد أخضع الفلسطينيون الآن وغلبوا تماما حتى لقد سلموا الحصون والمعاقل التي كانوا قد اغتصبوها من إسرائيل وكفوا عن العدوان سنين طويلة . وقد تمثلت بهم أمم كثيرة فتمتع الإسرائيليون بالــســلام إلى نهاية حكم صموئيل .AA 531.5
ولكي لا تنسى تلك الحادثة أبدا من أذهان الشعب أقام صموئيل حجرا عظيما تذكارا بين المصفاة والسن وسماه حجر المعونة قائـلا للشعب ( إلى هنا أعاننا الـــرب ) .AA 532.1
* * * * *