Loading...
Larger font
Smaller font
Copy
Print
Contents
الاباء والانبياء - Contents
  • Results
  • Related
  • Featured
No results found for: "".
  • Weighted Relevancy
  • Content Sequence
  • Relevancy
  • Earliest First
  • Latest First

    الفصل الخمسون—العشور والتقدمات

    في النظام العبري كان يفرز عشر دخل الشعب للإنفاق على ما تحتاجه عبادة الله الجهرية . فلقد أعلن موسى لإسرائيل قائلا : ( وكل عشر الأرض من حبوب الأرض وأثمار الشجر فهو للرب . قدس للرب ) ، ( وأما كل عشر البقر والغنم ... يكون العاشر قدسا للرب ) (لاويين 27 : 30 ، 32) .AA 469.1

    إلا أن نظام العشور لم يبدأ أصلا بالعبرانيين ، فمنذ أقدم العصور طلب الرب أن يكون العشر له . وكان هذا الطلب في موضع الاعتبار والإكرام . لقد أعطى إبراهيم عشرا من كل شيء لملكي صادق كاهن الله العلي (تكوين 14 : 20) . ولما كان يعقوب في بيت إيل متغربا وهاربا نذر لله قائلا : ( كل ما تعطيني فإني أعشره لك ) (تكوين 28 : 22) . وإذ أوشك الإسرائيليون أن يتثبتوا كأمة أعيد تثبيت شريعة العشور كإحدى الشرائع المعينة من الله والتي يتوقف على إطاعتها النجاح .AA 469.2

    كان المقصود من نظام العشور والتقدمات أن ينطبع على عقول الناس حق عظيم - وهو أن الله هو نبع كل البركات لخلائقه وأنه واجب على الإنسان أن يشكره على كل هبات العناية .AA 469.3

    ( هو يعطي الجميع حياة ونفسا وكل شيء ) (أعمال 17 : 25) . والرب يعلن قائلا : ( لأن لي حيوان الوعر والبهائم على الجبال الألوف ) (مزمور 50 : 10) كما يقول أيضا : ( لي الفضة ولي الذهب ) (حجى 2 : 8) والله هو الذي يعطي الناس قوة لاصطناع الثروة (تثنية 8 : 18) فاعترافا منا بأن كل شيء هو من الله لذلك أمر الرب بأن جزءا من خيراته ينبغي أن يرجع إليه في العطايا والتقدمات لينفق على عبادته .AA 469.4

    ( عشر الأرض ... للرب ) هنا يستخدم نفس التعبير كما في شريعة السبت . ( وأما اليوم السابع ففيه سبت للرب إلهك ) (خروج 20 : 20) . لقد احتفظ لنفسه بجزء معين من وقت الإنسان ومن ماله . وكل من يستخدم ما يخص الله من أي منهما لمصالحه الخاصة يرتكب ذنبا .AA 469.5

    كان العشر كله مخصصا لاستخدام اللاويين . وهم السبط الذي أفرز لخدمة المقدس . ولكن هذه لم تكن بأي حال كل العطايا للأغراض الدينية . فالخيمة ، كما الهيكل فيما بعد ، أقيمت كليا بفضل العطايا الاختيارية . ولكي يحصل على مال لأجل الإنفاق على الإصلاحات والترميمات اللازمة وغير ذلك من النفقات أشار موسى على الشعب أنه كلما عمل إحصاء لبني إسرائيل أن يقدم كل واحد نصف شاقل تبرعا ( لخدمة خيمة الاجتماع ) . وفي أيام نحميا كانت تقدم التبرعات لهذا الغرض مرة كل سنة (انظر خروج 30 : 12 — 16 ، 2 ملوك 12 : 4 ، 5 ، 2 أخبار الأيام 24 : 4 — 13 ، نحميا 10 : 32 ، 33) . وبين حين وآخر كان يؤتى بذبائح الخطية وذبائح الشكر إلى الله ، وهذه كانت تقدم بكثرة عظيمة في الأعياد السنوية ، كما نال الفقراء أسخى الهبات .AA 470.1

    وحتى قبل تخصيص العشور كان هنالك اعتراف بمطاليب الله ، فباكورات حصاد الأرض كانت تكرس لله . وأول جزاز الغنم حين تجز ، وأوائل الحنطة بعدما تدرس ، وأوائل الزيت والخمر كانت تفرز لله ، وكذلذ أبكار كل البهائم . أما الابن البكر فكانت تدفع عنه فدية . وباكورات الأثمار كانت تقدم للرب في المقدس وتكرس ليستخدمها الكهنة .AA 470.2

    وهكذا كان الشعب يتذكرون دائما أن الله هو المالك الحقيقي لحقولهم وقطعانهم ومواشيهم ، وأنه هو الذي يرسل إليهم المطر والشمس لأجل زرعهم وحصادهم وأن كل ما يملكونه من صنع يده ، وما هم إلا وكلاء على أمواله .AA 470.3

    وإذ كان رجال إسرائيل يجتمعون في خيمة الاجتماع حاملين باكورات حقولهم وبساتينهم وكرومهم كان يقدم اعتراف من جميعهم بصلاح الله . وحين كان الكاهن يقبل التقدمة ، فمقدمها كان يتكلم كما في حضرة الرب قائلا : ( أراميا تائها كان أبي ) ثم يصف غربته في مصر والضيقات التي أنقذ الرب إسرائيل منها فيقول : ( فأخرجنا الرب من مصر بيد شديدة وذراع رفيعة ومخاوف عظيمة وآيات وعجائب ) ، ثم يقول : ( وأدخلنا هذا المكان ، وأعطانا هذه الأرض ، أرضا تفيض لبنا وعسلا . فالآن هأنذا قد أتيت بأول ثمر الأرض التي أعطيتني يا رب ) (26 : 5 ، 8 — 11) .AA 470.4

    إن التبرعات والتقدمات التي كانت مطلوبة من العبرانيين لأغراض دينية وخيرية بلغت ربع دخلهم تماما . فمثل هذه الضريبة الفادحة على دخل الشعب كان ينتظر أن تسوقهم إلى الفقر ، ولكن الواقع كان عكس ذلك فإن مراعاتهم لكل هذه المطاليب بأمانة كانت من بين شروط نجاحهم . فعلى شروط طاعتهم قدم لهم الرب هذ الوعد . وأنتهر من أجلكم الآكل فلا يفسد لكم ثمر الأرض ، ولا يعقر لكم الكرم في الحقل ... ويطوبكم كل الأمم ، لأنكم تكونون أرض مسرة ، قال رب الجنود ) (ملاخي 3 : 11 ، 12) .AA 471.1

    وهنالك مثال مدهش لنتائج احتفاظ الإنسان لنفسه ، في أنانية ، حتى بالعطايا الاختيارية وعدم تقديمها لعمل الله ، وقد حدث ذلك في أيام حجي النبي . فبعد عودة اليهود من السبي البابلي شرعوا في بناء هيكل الرب ، ولكن لكونهم لاقوا مقاومة عنيفة من أعدائهم كفوا عن العمل ، ولأنه قد حل بالأرض جدب شديد جعلهم في أشد حالات الفاقة — كل ذلك جعلهم يعتقدون أنه من المستحيل عليهم أن يكملوا بناء الهيكل - فقالوا : ( إن الوقت لم يبلغ وقت بناء بيت الرب ) ولكن نبي الرب أبلغهم رسالة تقول : ( هل الوقت لكم أنتم أن تسكنوا في بيوتكم المغشاة ، وهذا البيت خراب ؟ والآن فهكذا قال رب الجنود : اجعلوا قلبكم على طرقكم . زرعتم كثيرا ودخلتم قليلا . تأكلون وليس إلى الشبع . تشربون ولا تروون . تكتسون ولا تدفأون . والآخذ أجرة يأخذ أجرة لكيس منقوب ) (انظر حجي 1) وبعد ذلك يكشف لهم عن السبب قائلا : ( انتظرتم كثيرا وإذا هو قليل . ولما أدخلتموه البيت نفخت عليه . لماذا ؟ يقول رب الجنود . لأجل بيتي الذي هو خراب ، وأنتم راكضون كل إنسان إلى بيته . لذلك منعت السماوات من فوقكم الندى ، ومنعت الأرض غلتها . ودعوت بالحر على الأرض وعلى الجبال وعلى البهائم ، وعلى كل أتعاب اليدين ) ، ( كان أحدكم يأتي إلى عرمة عشرين فكانت عشرة . أتى إلى حوض المعصرة ليغرف خمسين فورة فكانت عشرين . قد ضربتكم باللفح وباليرقان وبالبرد في كل عمل أيديكم ) (حجي 2 : 16 ، 17) .AA 471.2

    فإذ أفاقوا على الصوت هذه الإنذارات بدأوا في بناء بيت الرب . حينئذ أتاهم كلام الرب قائلا : ( اجعلوا قلبكم من هذا اليوم فصاعدا ، من اليوم الرابع والعشرين من الشهر التاسع ، من اليوم الذي فيه تأسس هيكل الرب ... فمن هذا اليوم أبارك ) (حجي 2 : 18 ، 19) .AA 471.3

    يقول الحكيم : ( يوجد من يفرق فيزداد أيضا ، ومن يمسك أكثر من اللائق وإنما إلى الفقر ) (أمثال 11 : 24) وهذا هو نفس الدرس الذي نتعلمه من العهد الجديد إذ يقول بولس الرسول : ( ان من يزرع بالشح فبالشح أيضا يحصد ، ومن يزرع بالبركات فبالبركات أيضا يحصد ) . ( والله قادر أن يزيدكم كل نعمة ، لكي تكونوا ولكم كل اكتفاء كل حين في كل شيء ، تزدادون في كل عمل صالح ) (2 كورنثوس 9 : 6 ، 8) .AA 472.1

    لقد أراد الله أن يكون شعبه إسرائيل حاملا مشعل النور لكل سكان الأرض . وباحتفاظهم بعبادته الجهارية كانوا يشهدون لولجود الله الحي وسلطانه . وقد كان امتيازا لهم أن يقدموا من أموالهم لسد نفقات هذه العبادة تعبيرا منهم عن ولائهم ومحبتهم له . ولقد رسم الرب أن نشر النور والحق في الأرض يتوقف على مساعي وتقدمات شركاء الهبة السماوية . كان يمكنه أن يجعل الملائكة سفراء لحقه ، وكان يمكنه أن يعرف الناس إرادته كما قد أعلن شريعته من جبل سيناء بصوته ، ولكنه في محبته وحكمته اللامتناهيتين دعا الناس ليكونوا شركاءه في العمل باختياره إياهم للقيام به .AA 472.2

    وفي أيام إسرائيل كانت العشور والتقدمات الاختيارية مطلوبة لحفظ فرائض خدمة الله . أفيعطي شعب الله في هذه الأيام أقل مما كان يقدمه أولئك القوم ؟ إن المبدأ الذي وضعه المسيح هو أن تقدماتنا لله ينبغي أن تكون بنسبة النور والامتيازات التي نتمتع بها ، يقول : ( كل من أعطي كثيرا يطلب منه كثير( (لوقا 12 : 48) . إن المخلص حين أرسل تلاميذه قال لهم : ( مجانا أخذتم ، مجانا أعطوا( (متى 10 : 8) . وإذ تزداد بركاتنا وامتيازاتنا ، وفوق الكل حيث أن أمامنا ذبيحة ابن الله المجيد وتضحيته التي لا تبارى ، أفلا نعبر عن شكرنا بتقديم عطايا أكثر لكي نوصل رسالة الخلاص إلى الآخرين ؟ إن عمل الإنجيل إذ يتسع يحتاج إلى مال أكثر لمعاضدته مما كان يحتاج قديما . وهذا يجعل شريعة العشور أكثر إلزاما ووتطلب إسراعا لتنفيذها أكثر مما كانت الضرورة تدعو إليه في النظام العبراني . فلو كان شعب الله يقدمون من أموالهم بسخاء وسرور للإنفاق على عمله بعطاياهم الاختيارية بدلا من الالتجاء إلى الطرق غير المسيحية والأساليب غير المقدسة لتمتلئ الخزانة ، لكان الله يتمجد وكانت تربح نفوس أكثر للمسيح .AA 472.3

    لقد نجح التدبير الذي اتخذه موسى ليجمع مالا أو مواد لبناء الخيمة ، نجاحا عظيما . لم يكن هنالك ما يدعوا إلى الحث أو الإلحاح أو الإرغام ، كلا ولا استخدم وسيلة من الوسائل التي تلجأ إليها الكنائس كثيرا في هذه الأيام . فلم يولم وليمة عظيمة ولا دعا الناس إلى حفلات الطرب واللهو والرقص أو ما شاكلها من التسليات العامة ، كلا ولا باع للناس أوراق اليانصيب ، ولا عمل شيئا من هذه الأشياء الدنيوية النجسة لكي يحصل مالا يبني به مقدس الله . ولكن الرب أرشده إلى أن يطلب من بني إسرائيل أن يأتوا بتقدماتهم ، كان يقبل كل العطايا التي يقدمها إليه كل من قلبه سموح مقدما عطيته بمحص اختياره . فتدفقت العطايا من كل جانب حتى لقد التزم موسى بأن صدر أمرا إلى الشعب بعدم الجلب أيضا لأنهم كانوا قد أحضروا ما يزيد عن الحاجة .AA 473.1

    لقد جعل الله الناس وكلاء له . والأموال والممتلكات التي جعلها الله في حوزتهم هي الوسيلة التي قد أعدها لنشر الإنجيل . فأولئك الذين يبرهنون على أمانتهم كوكلاء سيوكل إليهم أمانات أكثر وأعظم . وقد قال لله : ( إني أكرم الذين يكرمونني ) (1 صموئيل 2 : 30) . والرسول يقول : ( المعطي المسرور يحبه الله ) (2 كورنثوس 9 : 7) . وحين يجيء شعب الله إليه بعطاياهم وتقدماتهم بقلوب شاكرة ، ( ليس عن حزن أو اضطرارا ) فستلازمهم بركته كما قد وعد قائلا : ( هاتوا جميع العشور إلى الخزنة ليكون في بيتي طعام ، وجربوني بهذا ، قال رب الجنود ، إن كنت لا أفتح لكم كوى السماوات ، وأفيض عليكم بركة حتى لا توسع ) (ملاخي 3 : 10) .AA 473.2

    * * * * *