الفصل الرابع والستون— داود المطارد
- المقدمة
- الديباجة
- الفصل الاول—كيف دخلت الخطية
- الفصل الثاني—الخلق
- الفصل الثالث—التجربة والسقوط
- الفصل الرابع—تدبير الفداء
- الفصل الخامس—امتحان قايين وهابيل
- الفصل السادس—شيث واخنوخ
- الفصل السابع—الطوفان
- الفصل الثامن—بعد الطوفان
- الفصل التاسع—الأسبوع الحرفي
- الفصل العاشر—برج بابل
- الفصل الحادي عشر—دعوة إبراهيم
- الفصل الثاني عشر—إبراهيم في كنعان
- الفصل الثالث عشر—محكّ الإيمان
- الفصل الرابع عشر—هلاك سدوم
- الفصل الخامس عشر—زواج إسحاق
- الفصل السادس عشر—يعقوب وعيسو
- الفصل السابع عشر—هروب يعقوب ومنفاه
- الفصل الثامن عشر—ليلة الصراع
- الفصل التاسع عشر—الرجوع إلى كنعان
- الفصل العشرون—يوسف في مصر
- الفصل الحادي والعشرون—يوسف وإخوته
- الفصل الثاني والعشرون—موسى
- الفصل الثالث والعشرون—ضربات مصر
- الفصل الرابع والعشرون—الفصح
- الفصل الخامس والعشرون—الخروج
- الفصل السادس والعشرون—من بحر سوف إلى سيناء
- الفصل السابع والعشرون—إعطاء الشريعة
- الفصل الثامن والعشرون—عبادة الأوثان في سيناء
- الفصل التاسع والعشرون—عداء الشيطان للشريعة
- الفصل الثلاثون—الخيمة وخدماتها
- الفصل الحادي والثلاثون—خطية ناداب وأبيهو
- الفصل الثاني والثلاثون—الشريعة والعهدان
- الفصل الثالث والثلاثون —من سيناء إلى قادش
- الفصل الرابع والثلاثون —الجواسيس الاثنا عشر
- الفصل الخامس والثلاثون—عصيان قورح
- الفصل السادس والثلاثون —في البرية
- الفصل السابع والثلاثون —الصخرة المضروبة
- الفصل الثامن والثلاثون—الدوران حول أدوم
- الفصل التاسع و الثلاثين—غزو باشان
- الفصل الأربعون—بلعام
- الفصل الحادي والأربعون—الارتداد عن الأردن
- الفصل الثاني والأربعون—تكرار الشريعة
- الفصل الثالث والأربعون—موت موسى
- الفصل الرابع والأربعون—عبور الأردن
- الفصل الخامس والأربعون—سقوط أريحا
- الفصل السادس والأربعون—البركات واللعنات
- الفصل السابع والأربعون—التحالف مع الجبعونيين
- الفصل الثامن والأربعون—تقسيم كنعان
- الفصل التاسع والأربعون—كلمات يشوع الأخيرة
- الفصل الخمسون—العشور والتقدمات
- الفصل الحادي والخمسون—رعاية الله للفقراء
- الفصل الثاني والخمسون—الأعياد السنوية
- الفصل الثالث والخمسون—القضاة الأولون
- الفصل الرابع والخمسون—شمشون
- الفصل الخامس والخمسون—الصبي صموئيــل
- الفصل السادس والخمسون—عالي وبنوه
- الفصل السابع والخمسون—الفلسطينيون يستولون علي التابوت
- الفصل الثامن والخمسون—مدارس الأنبياء
- الفصل التاسع والخمسون—أول ملوك إسرائيل
- الفصل الستون— تصلف شاول
- الفصل الحادي والستون—رفض شاول
- الفصل الثانى والستون —مسح داود
- الفصل الثالث والستون —داود وجليات
- الفصل الرابع والستون— داود المطارد
- الفصل الخامس والستون—شهامة داود وصفحه
- الفصل الرابع والستون—موت شاول
- الفصل السابع والستون—العرافة قديما وحديثا
- الفصل الثامن والستون—داود في صقلع
- الفصل التاسع والستون—داود يدعى لاعتلاء العرش
- الفصل السبعون—مُلك داود
- الفصل الحادي والسبعون—خطية داود وتوبته
- الفصل الثاني والسبعون—تمرد أبشالوم
- الفصل الثالث والسبعون— سنو حياة داود الأخيرة
Search Results
- Results
- Related
- Featured
- Weighted Relevancy
- Content Sequence
- Relevancy
- Earliest First
- Latest First
- Exact Match First, Root Words Second
- Exact word match
- Root word match
- EGW Collections
- All collections
- Lifetime Works (1845-1917)
- Compilations (1918-present)
- Adventist Pioneer Library
- My Bible
- Dictionary
- Reference
- Short
- Long
- Paragraph
No results.
EGW Extras
Directory
الفصل الرابع والستون— داود المطارد
بعد قتل جليات أبقى شاول داود عنده ولم يسمح له بالعودة إلى بيت أبيه . وحدث ( أن نفس يوناثان تعلقت بنفس داود ، وأحبه يوناثان كنفسه ) (انظر 1 صموئيل 18 — 22) فقطع داود ويوناثان عهدا بأن يرتبطا معا كأخوين . ثم حدث أن ابن الملك ( خلع ... الجبة التي عليه وأعطاها لداود مع ثيابه وسيفه وقوسه ومنطقته ) كما وكلت إلى داود مسؤوليات جسام ، ومع ذلك ظل محتفظا بوداعته ، فظفر بحب الشعب وبيت الملك أيضأ .AA 584.1
( وكان داود يخرج إلى حيثما أرسله شاول . كان يفلح . فجعله شاول على رجال الحرب ) كان داود فطنا وأمينــاً ، كما تبين أن بركة الـلــه كانت عليه ، ومرافقة له . وبدا لشاول في بعض الأحيان أنه لا يصلح لحكم إسرائيــل ، بل أحس بأن المملكة يمكن أن تكون مصونة أكثر إن اشترك معه شخص له علاقة بالرب ، فرجا شاول أن يكون ارتباطه بداود حارسا يحميه . وبما أن الرب كان راضيا عن داود ، ودرأ عنه المخاطر ، فإن وجوده مع شاول يمكن أن يكون واقيا له حين يخرج معه للحرب.AA 584.2
إن عناية الـلــه هي التي ربطت بين داود وشاول ، لأن مركز داود في البلاط الملكي أعطاه معرفة وخبرة بالشؤون كافة استعدادا لمستقبله العظيم ، وهذا ما يساعده على أن يظفر بثقة الأمة . غير أن التقلبات والمظالم التي حاقت به بسبب عداوة شاول له قادته إلى الاعتماد على الـلــه ووضع كل ثقته به تعالى ، كما أن صداقة يوناثان ومحبته لداود كانت هي الأخرى من ترتيبات عناية الـلــه لأجل حفظ حياة ملك إسرائيــل العتيد . وفي كل هذه الأمـــور كان الـلــه يتمم مقاصده الصالحة لداود ولشعب إسرائيــل .AA 584.3
ومع ذلك فإن شاول لم يثبت على صداقته لداود طويلا ، إذ حينها كان شاول وداود عائدين من الحرب مع الفلسطينيين حدث ( أنا النساء خرجت من جميع مدن إسرائيل بالغناء والرقص للقاء شاول الملك بدفوف وبفرح وبمثلثات ) فغنت جماعة من النسوة قائلات : ( ضرب شاول ألوفه ) وإذا بجماعة أخرى تجيبهن قائلات : “وداود ربواته ( فدخل شيطان الغيرة إلى قلب الملك شاول ، الذي غضب لأن نساء إسرائيــل رفعن مقام داود في تلك الأغنية وجعلنه أسمى من مقامه . فبدلا من أن يكبت مشاعر الحسد هذه أظهر ضعفا في أخلاقه فصاح قائلا : ( أعطين داود ربوات وأما أنا فأعطيتني الألوف ؟ وبعد فقط تبقى له المملكة ) .AA 584.4
كان في أخـــلاق شاول نقص عظيم ، وهو أنه أحب مدح الناس له ، وكان لهــذه الخلة تـأثـيــر تحكم في أعماله وأفكاره ، كما طبع كل شيء بطابع الرغبة في المديح وتعظيم الذات . ومقياس الصواب والخطأ في نظره كان هو ذلك المقياس المنخفض مقياس الشهرة واستحسان الجماهر . إن ذلك الإنسان الذي يعش ليرضي الناس لا أمان له ، ذاك الذي لا يطلب أولا رضى الـلــه واستحسانه . لقد كان مطمح شاول أن يكون هو الأول في اعتبار الناس ، وعندما سمع أغنية المدح تلك رسخ في عقله اقتناع ثابت بأن داود سيستميل قلوب الشعب ويملك بدلا منه .AA 585.1
فتح شارل قلبه لروح الحسد الذي سمم حياته . وبالرغم من الدروس التي تلقاها من صموئيل النبي بأن الـلــه سيتمم ما يختاره ، وأن أحدا من الناس لا يستطيع أن يعرقل عمل الـلــه ، فقد برهن الملك على أنه ليست لديه أية معرفة عن تدبيرات الـلــه وقوته . جعل ملك إسرائيل إرادته تقاوم إرادة الـلــه السرمدي . إن شاول حين كان يملك على إسرائيل لم يتعلم أن يكون له سلطان على روحه ، فسمح لبواعثه ودوافعه أن تتسلط على أفكاره إلى أن تردى في هاوية السخط والغضب الثائر . وكانت تهاجمه نوبات الغضب حين كان يحاول قتل أي من يقاوم إرادته . وكان ينحدر من هذا الخبال إلى حالة أخرى هي حالة اليأس واحتقار النــفـــس ، فتمتلك نفسه روح تبكيت الضمير .AA 585.2
كان يحب أن يستمع إلى داود وهو يضرب على عوده ، وكان يبدو أن الروح الشرير يزايله ويذهب عنه إلى حين ، ولكن في أحد الأيام حين كان ذلك الشاب يخدم أمامه ويلمس بأنامله أوتار العود فتخرج أنغام ساحرة ، وصوته يصاحب أنغام العود وهو يسبح الـلــه ، إذا بالملك يصوب رمحه إلى ذلك الموسيقار فجأة محاولا أن يقضي على حياته . فحفظت حياة داود بتدخل الـلــه ، فهرب من غضب ذلك الملك المختبل العقل دون أن يمسه أذى .AA 585.3
وإذ زادت بغضة شاول لداود جعل يترقب الفرص بأكثر اهتمام لعله يقضي عليه ، ولكن لم تنجح أية خطة من خططه التي دبرها ضد مسيح الرب ، فأسلم شاول نفسه لسلطان ذلك الروح الرديء الذي تحكم فيه . أما داود فقد اتكل على ذاك الذي له المشورة القوية والقادر على أن يخلص . ( بدء الحكمو مخافة الرب ) (أمثال 9 : 10) وكان داود على الدوام يوجه صلاته إلى الـلــه حتى يستطيع أن يسلك أمامه في طريق كامل .AA 586.1
ولكي يتخلص الملك من وجود منافسه ( فأبعده شاول عنه وجعله له رئيس ألف ... وكان جميع إسرائيل ويهوذا يحبون داود ) وسرعان ما لمس الشعب كفاءة داود ، ورأوا أن كل عمل أسند إليه كان يعمله بحكمة ودراية ، كما كانت مشورات ذلك الشاب متصفة بالحكمة والفطنة وبرهنت على أن اتباعها يكفل السلامة ، بينما كان حكم شاول مما لا يعتمد عليه كما أن قراراته لم تكن حكيمة .AA 586.2
ومع أن شاول كان دائما يقظا يتحين الفرص لإهك ك داود ، غير أنه بات خائفا منه لأنه رأى أن الرب معه . إن صفات داود التي كانت بلا لوم أثارت غضب الملك ، فأحس أن نــفـــس حياة داود ووجوده كانا توبيخا صارما له إذ بالمقارنة تبرهن أن أخـــلاق داود أفضل من أخللاقه . إن حسد شاول هو الذي جلب عليه التعاسة ، وعرض للخطر حياة أحد رعاياه المتواضعين (داود) . ما أعظم ما أحدثت هذه الصفة من مساوئ في العالم ! إن نــفـــس العداوة التي أثارت قلب قايين ضد أخيه هابيل ، هي التي ملكت على قلب شاول ، لأن أعمال هابيل كانت بارة فأكرمه الـلــه ، أما أعماله هو فكانت شريرة فلم يمكن أن يباركه الرب . إن الحسد هو وليد الكبرياء ، وإذا أبقي عليه في القلب فسيقود إلى البغضاء وأخيرا سيفضي إلى الانتقام والقتل . وقد أظهر الشيطان خلقه الشرير إذ أثار سخط شاول ضد ذاك الذي لم يسئ إليه في شيء .AA 586.3
وقد راقب الملك داود مراقبة دقيقة ، مؤملا أن يأخذ عليه عملا من أعمال النزق أو الطيش حيث يمكن أن يصلح عذرا للملك به يجلب على داود الفضيحة والعار . وقد أحس أنه لن يستريح حتى يقضي على ذلك الشاب بالموت وفي نــفـــس الوقت تزكي الأمة ذلك الاعتداء الأليم ، فنصب فخا لرجلي داود إذ ألح عليه أن يواصل الحرب ضد الفلسطينين بأعظم همة وعزيمة ، ووعده ، في مقابل شجاعته ، بأن يزوجه من كبرى بنات البيت المالك . فأجاب داود عن هذا الاقتراح بوداعة قـائــلاً : ( من أنا ، وما هي حياتي وعشيرة أبي في إسرائيل حتى أكون صهر الملك ؟ ) ولكن الملك كان منافقا ، إذ زوج الأميرة من رجل آخر .AA 586.4
ثم أتاحت محبة ميكال ، صغرى البنات ، لداود ، فرصة أخرى للملك ليتآمر على حياة خصمه . وقــد عرض على داود أن يتزوج ميكال بشرط أن يقدم البرهان على أنه قــــد هزم أعداء الأمة الإسرائيلية وقتل عددا محددا منهم ، ( وكان شاول يتفكر أن يوقع داود بيد الفلسطينيين ) ولكن الـلــه صان حياة عبده فعاد داود من الحرب ظافرا ليصير صهرا للملك ( وميكال ابنة شارل أحبت داود ) وقــد رأى الملك الثائر الغضوب أن كل مؤامراته قــــد رفعت من شأن ذاك الذي كان يريد هو أن يهلكه ، ثم زاد يقينه بأن هذا هو الرجل الذي قال الرب عنه إنه خير منه ، والذي يجب أن يملك على عرش إسرائيــل من بعده . ظهر شاول على حقيقته حين أصدر أمره إلى يوناثان وإلى كل عبيده أن يقتلوا ذاك الذي كان هو يبغضه .AA 587.1
إلا أن يوناثان أعلن لداود ما قصد الملك أن يفعله به ، وطلب منه أن يختبئ ريثما يتوسل هو إلى أبيه حتى يبقي على حياة منقذ إسرائيــل ، ثم بسط أمام الملك ما قد فعله داود لصيانة كرامة الأمة بل حياتها ، كما أبان له هول الجريمة التي ستستقر على رأس من يقتل ذاك الذي استخدمه الـلــه في سحق قوة أعداء إسرائيــل . فتأثر ضمير شاول ولان قلبه ( وحلف شاول : حي هو الرب لا يقتل ) فأحضر داود إلى شاول وصار يخدم أمامه كما كان يفعل فيما مضى .AA 587.2
ومرة أخرى أعلنت الحرب بين الإسرائيليين والفلسطينيين ، فقاد داود الجيش ضد أعدائهم . وقد أعطى الـلــه العبرانيين نصرا عزيزا . فامتدح رجال الدولة حكمة داود وبطولته ، فأثار هذا كوامن بغضة شاول لداود . وبينما كان ذلك الشاب يضرب على العود أمام الملك ، وقد امتلأت جوانب القصر بالأنغام الشجية غلب شاول غضبه فصوب رمحه إلى داود محاولا أن يطعن ذلك الموسيقار حتى إلى الحائط . ولكن ملاك الرب أبعد تلك الطعنة المميتة فهرب داود إلى بيته ونجا ، فأرسل شاول جواسيس ليراقبوه حتى إذا خرج في الصباح فتكوا به . أخبرت ميكال داود بنوايا أبيها من نحوه ، وألحت عليه أن يهرب لحياته ، فأنزلته من الكوة ، وهكذا أعانته على أن ينجو بحياته . هرب داود إلى صموئيل في الرامة فرحب النبي بذلك الهارب غير خائف من غضب الملك . وكان بيت صموئيل مكانا أمينــاً بالمقارنة مع قصر الملك ، إذ في هذا المكان الكائن وسط التلال كان خادم الـلــه المكرم يواصل عمله ، ومعه جماعة من الرائين الذين كانوا يدرسون إرادة الـلــه بكل تدقيق . وبكل وقار كانوا يستمعون للتعاليم التي ينطق بها صموئيل . ما كان أثمن وأغلى الدروس التي تعلمها داود من معلم إسرائيل ! كان داود يعتقد أن الملك لن يأمر جيوشه بغزو هذا المكان المقدس ، ولكن ظلام عقل ذلك الملك المتهور لم يعد يرعى حرمة أي مكان مهما كان مقدسا . إن الصلة التي كانت بين داود وصموئيل أثارت حسد الملك ، خشيــة أن يعمل نفوذ ذاك الذي كان مكرما من كل إسرائيل كنبي الـلــه على مساعدة خصم شاول على ارتقاء العرش . فلما عرف شاول بمكان داود ، أرسل رجاله ليأتوا به إلى جبعة لكي ينفذ فيه مقاصده الإجرامية .AA 587.3
سار رسل الملك في طريقهم وقد صمموا على قتل داود ، ولكن من هو أعظم من شاول منعهم من ذلك . لقد التقاهم ملائكة غير منظورين كما حدث لبلعام حين كان ذاهبا ليلعن إسرائيل ، فبدأوا ينطقون بأقوال نبوية عما سيحدث في المستقبل وأعلنوا مجد الرب وجلاله . وهكذا سيطر الـلــه على غضب الإنسان فأظهر قدرته على إيقاف الشر عند حده ، بينما أحاط عبده بجمهور من الملائكة لحراسته .AA 588.1
وصلت الأخبار إلى مسامع الملك الذي كان يتحرق شوقا إلى أن يقع داود في قبضته ، ولكن بدلا من أن يحس بتوبيخ الـلــه زاد اشتعالا وأرسل رسلا آخرين ، ولكن حتى هؤلاء سيطر عليهم روح الـلــه واشتركوا مع الرسل الأولين فجعلوا يتنبأون . وثم أرسل رسلا مرة ثالثة ، ومن حين انضموا إلى الأنبياء ، حلت عليهم قوة الـلــه أيضا وصاروا يتنبأون ، حينئذ صمم شاول على الذهاب بنفسه لأن عداوته العنيفة لم يمكن ضبطها . فعزم على ألا ينتظر فرصة أخرى لإهلاك داود . وحالما يقع في متناول يده لا بد أن يذبحه بيده مهما تكن النتائج .AA 588.2
ولكن ملاكا من ملائكة الـلــه التقى الملك في طريقه وسيطر عليه ، وضبطه روح الـلــه بقوته ، فتقدم إلى الأمام وكان يصلي إلى الـلــه ، وقد تخللت تلك الصلوات تنبؤات وتسابيح مقدسة ، كما تنبأ عن مسيا الآتي كفادي العالم . وحين وصل إلى بيت النبي في الرامة خلع ثيابه الخارجية التي تكشف عن مقامه ، وبقي منطرحا أمام صموئيل وتلاميذه طول النهار والليل وهو تحت تـأثـيــر روح الـلــه . وقد أتى الشعب من أماكن بعيدة لمشاهدة هذا المنظر الغريب ، حتى ذاع خبر اختبار الملك هذا في كل مكان . وهكذا مرة أخرى قبل نهاية حكم شاول ذهب هذا القول مثك : ( أشاول أيضاً بين الأنبياء ؟ ) .AA 588.3
ومرة أخرى أحبطت نوايا ذلك الملك المضطهد . ومع أنه أكد لداود أنه لم يعد يضمر له شرا ، إلا أن ذلك الشاب كان ضعيف الثقة بصدق توبة الملك ، فاغتنم هذه الفرصة وهرب لئلا يتعكر مزاج الملك كما قــــد حدث من قبل . لقد كان قلبه جريحا في داخله فاشتاق إلى رؤية صديقه يوناثان مرة أخرى . وإذ كان واثقا من سلامة نواياه ذهب إلى ابن الملك يطلبه وقـــال له بكل تأثر : ( ماذا عملت ؟ وما هو إثمي ؟ وما هي خطيتي أمام أبيك حتى يطلب نفسي ؟ ) كان يوناثان يعتقد أن أباه عدل عما كان ينوي أن يفعله بداود وأنه لم يعد يطلب قتله ، فقال يوناثان : ( حاشا . لا تموت ! هوذا أبي لا يعمل أمراُ كبيرا ولا أمرا صغيرا إلا ويخبرني به . ولماذا يخفي عني أبي هذا الأمر ؟ ليس كذا ) فبعدما أظهر الرب قــــدرته بكيفية عظيمة لم يكن يوناثان يعتقد أن أباه سيلحق أي أذى بداود لأن ذلك يكون تمردا صريحا على الـلــه . ولكن داود لم يقتنع بذلك ، وبكل حرارة وغيرة أعلن ليوناثان قـائــلاً : ( حي هو الرب ، وحية هي نفسك ، إنه كخطوة بيني وبين الموت ) .AA 589.1
وعند الهلال احتفل شعب إسرائيــل بعيد مقدس . وهذا العيد وقع في اليوم التالي لمقابلة يوناثان لداود ، وكان ينتظر حضور ذينك الشابين إلى وليمة الملك ، ولكن داود كان يخشى الوجود مع الملك ، كما كان هنالك ترتيب أن يذهب لزيارة إخوته في بيت لحم . وبعد عودته كان عليه أن يختبئ في حقل قريب من بيت الوليمة فغاب عن الملك ثلاثة أيام وكان على يوناثان أن يلاحظ تـأثـيــر ذلك في شاول . فلو سأله أبوه عن مكان وجود ابن يسى كان على يوناثان أن يقول إنه ذهب إلى بيت لحم لحضور الذبيحة التي ستقدمها عائلة أبيه . فإذا لم يبد على الملك الغضب وإنما قـــال : ( حسنا ) فيمكن أن يطمثن داود - إلى الذهاب إلى بلاط الملك . أما إذا ثار واهتاج لغياب داود فلا بد من أن يهرب داود لحياته .AA 589.2
وفي أول أيام الوليمة لم يتكلم الملك شيئا عن غياب داود . ولكن لما خلا موضعه في الغد الثاني سأل الملك قـائــلاً : ( لماذا لم يأت ابن يسّى إلى الطعام لا أمس ولا اليوم ؟ فأجاب يوناثان شاول : إن داود طلب مني أن يذهب إلى بيت لحم ، وقال : أطلقني لأن عننا ذبيحة عشيرة في المدينة ، وقد أوصاني أخي بذلك . والآن إن وجدت نعمة في عينيك ف\عني أفلت وأرى إخوتي . لذلك لم يأت إلى مائدة الملك ) وعندما سمع شاول هذا الكلام أفلت زمام غضبه ، وأعلن أنه ما دام داود على قيد الحياة فإن يوناثان لن يستطيع أن يكون ملكا على إسرائيــل وأمر بأن يؤتى بداود حالا ليقتل . ومرة أخرى توسل يوناثان لأجل صديقه : ( لماذا يقتل ؟ ماذا عمل ؟ ) ولكن هذا التوسل زاد من شيطانية الملك في غضبه ، وصابى شاول الرمح الذي كان قــــد أعده ليقتل به داود ، نحو ابنه .AA 589.3
لقد ثار حزن ذلك الأمير وغضبه . وإذ خرج من الحضرة الملكية لم يعد ضيفا في الوليمة . لقد انحنت نفسه حزنا حين ذهب في الوقت المعين إلى البقعة التي كان سيعرف داود فيها نية الملك نحوه . وقــد وقع كل من ذينك الشابين على عنق الآخر وبكيا أمر البكاء . إن غضب الملك الشديد ألقى ظلاله السوداء على حياتهما ، فكان حزنهما شديدا جدا بحيث يصعب التعبير عنه . وقــد وقعت كلمات يوناثان الأخيرة في مسمع داود وهما يفترشان ليذهب كل في طريقه : ( اذهب بسلام لأننا كلينا قد حلفنا باسم الرب قائلين : الرب يكون بيني وبينك وبين نسلي ونسلك إلى الأبد ) .AA 590.1
ثم عاد ابن الملك إلى جبعة . أما داود فأسرح ليذهب إلى نوب ، وهي مدينة تبعد عن ذلك المكان أميالا قليلة ، وهي أيضا إحدى مدن سبط بنيامين . كما أن خيمة الاجتماع قــــد نقلت من شيلوه إلى هذا المكان ، حيث كان أخيمالك رئيس الكهنة يخدم فيها . لم يكن داود يعلم إلى أين يذهب ليختبئ إلا إلى خادم الـلــه . وقــد نظر الكاهن إلى داود باندهاش لأنه أتى وحده على ما بدا ، وبسرعة ، وكان يبدو على وجهه الحزن والانزعاج . فسأله عما أتى به إلى هناك ، بينما كان الخوف المستمر يساور هذا الشاب لئلا يعرف أحد مكانه . وفي أشد حالات كربه لجأ إلى الخداع ، فأخبر الكاهن بأن الملك أرسله في مهمة سرية تتطلب أعظم سرعة . وهنا أظهر ضعف إيمانه بالـلــه وكان من نتائج خطيته موت رئيس الكهنة . فلو أن داود أخبره بالحقيقة لكان الكاهن أخيمالك قــــد عرف أسلم طريق يسلكه ليحفظ حياته . إن الـلــه يطلب أن يمتاز شعبه على من سواهم بالصدق في القول ، حتى ولو كانوا مهددين بأعظم المخاطر . ثم سأله داود أن يعطيه خمس خبزات ، إلا أنه لم يكن لدى رجل الـلــه غير الخبز المقدس . ولكن داود أفلح في إزالة شكوك الكاهن فحصل على خبز يسد به جوعه .AA 590.2
إن خطرا جديدا كان يتهدد داود ، وذلك أن دواغ رئيــس رعاة شاول الذي قد اعتنق الدين اليهودي ، كان يتمم نذوره في موضع العبادة . فإذ رأى داود هذا الرجل عقد العزم على الإسراع في البحث عن مكان آخر يلجأ إليه . ولكي يحصل على سلاح يدافع به عن نفسه عند الضرورة ، طلب من أخيمالك أن يعطيه سيفا ، فقال له لا سيف عنده إلا سيف جليات الذي حفظ كأثر في المقدس فقال داود : ( لا يوجد مثله ، أعطني إياه ) وقد عادت إليه شجاعته حالما قبض على السيف الذي استعمله قبلا في قتل البطل الفلسطيني .AA 591.1
هرب داود إلى أخيش ملك جت لأنه أحس بأنه يجد أمنا وسط أعداء شعبه أكثر مما في مملكة شاول . ولكن عبيد أخيش قالوا له ، إن داود هو الذي قتل البطل الفلسطيني منذ سنين ، وإذا بذاك الذي طلب الاحتماء في أرض أعدائه يجد نفسه في خطر عظيم ، غير أنه بتظاهره بالجنون خدع أعداءه ، وهكذا دبر أمر نجاته .AA 591.2
إن أول غلطة ارتكبها داود كانت عدم تقته بالـلــه وهو في نوب ، أما الغلطة الثانية فكانت خداعه لأخيش . لقد ظهرت في داود صفات نبيلة ، وهذه الصفات جعلته ينال نعمة في عيون شعبه . ولكن لما هجمت عليه التجربة تزعزع إيمانه فظهر ضعف بشريته ، وكان يرى أن كل إنسان هو جاسوس وخائن . إن داود إذ كان في حالة اضطرار شديد رفع نظره إلى الـلــه بإيمان راسخ ، فانتصر على جبار الفلسطينيين . لقد آمن بالـلــه وصار متكلا على قدرته ، ولكن عندما كان مطاردا ومضطهدا كاد الارتباك والضيق يحجبان عن عينيه أباه السماوي .AA 591.3
ومع ذلك فإن هذا الاختبار علم داود الحكمة إذ جعله يدرك ضعفه وضرورة الاعتماد المستمر على الـلــه . ما أثمن وأغلى تـأثـيــر تعزيات روح الـلــه حين يأتي إلى النفوس الحزينة اليائسة مشجعا لخائري القلوب ومقويا للضعفاء المعيين ومانحا شجاعة وعونا لعبيد الرب المجربين ! ما أعظم إلهنا الذي يتعامل بكل دقة مع المخطئين ويظهر صبره ورقته ولطفه في القــــدة والضيق وحين يكتنفنا الحزن الشديد !AA 591.4
إن كل فشل يلحق بشعب الـلــه هو ناجم عن افتقارهم للايمان ، فحين تكتنف الظلمة النــفـــس ، وحين نكون بحاجة إلى النور والإرشاد علينا أن نرفع أنظارنا إلى فوق إذ هنالك نور خلف الظلمات . وما كان يليق بداود أن يشك في الـلــه لحظة واحدة حيث كانت هنالك أسباب كان ينبغي له ، من أجلـــها ، أن يضع اتكاله على الـلــه . كان هو مسيح الرب . وفي وسط المخاطر كان ملائكة الـلــه يحرسونه ، وكان مزودا بشجاعة عظيمة أعانته على القيام بأعمال باهرة ومدهشة ، ولو أنه سما بأفكاره فوق مستوى مركزه الحرج ، وضيقه الشديد الذي حل به ، وفكر في قدرة الـلــه وجلاله ، لأحس بالســلام ، حتى ولو كان في وادي ظلال الموت ، ولأمكنه بكل ثقة أن يكرر الوعد الإلهي القائل : ( فإن الججال تزول ، والآكام تتزعزع ، أما إحساني فلا يزول عنك ، وعهد سلامي لا يتزعزع ، قال راحمك الرب ) (إشعياء 54 : 10) .AA 591.5
بحث داود بين جبال يهوذا عن ملجأ يلجأ إليه ليأمن من مطاردة شاول ، فهرب إلى مغارة عدلام ، وهي مكان يمكن لرجال قليليين أن يحتفظوا به ضد جيش عظيم . ( فلما سمع إخوته وجميع بيت أبيه نزلوا إليه إلى هناك ) إن عائلة داود لم تكن تحس بالطمأنينة إذ كانوا يعلمون أن شكوك شاول غير المعقولة يمكن أن توجه ضدهم في أي وقت بسبب صلتهم بداود ، وقــد علموا الآن - ما بدأ كل إسرائيــل يعلمونه - أن الـلــه قــــد اختار داود ليكون الملك العتيد لشعبه . ثم اقنتعوا بأنهم سيكونون في أمان أعظم وهم معه ، حتى مع كونه هاربا وفي مغارة موحشة ، مما يكونون وهم معرضون لجنون ذلك الملك الحسود .AA 592.1
وفي مغارة عدلام اجتمع شمل العائلة يظللها العطف والحب ، فاستطاع ابن يسى أن يغني أعذب الأغاني بصوته على أنغام العود حين قـــال : ( هوذا ما أحسن وما أجمل أن يسكن الإخوة معاً ! ) (مزمور 133 : 1) لقد ذاق مرارة الشك من جانب إخوته ، ولكن الوفاق والانسجام الذي حل محل النزاع ملأ قلب ذلك الطريد فرحا . وفي هذه المناسبة كتب المزمور السابع والخمسين .AA 592.2
وقبل مرور وقت طويل انضم إلى جماعة داود قوم آخرون - ممن أرادوا النجاة من قسوة الملك وتعسفه ، كما كان هناك كثيرون ممن أضاعوا ثقتهم بملك إسرائيــل لأنهم رأوا أنه لم يعد ينقاد بروح الـلــه ( واجتمع إليه كل رجل متضايق ، وكل من كان عليه دين ، وكل رجل مر النفس ، فكان عليهم رئيسا . وكان معه نحو أربع مئة رجل ) هنا نجد داود يملك على مملكة صغيرة خاصة به يسودها الترتيب والنظام . ولكن مع أنه كان في ذلك الملجأ في الجبال لم يكن يحس بالطمأنينة ، إذ كانت تأتيه براهين مستمرة على أن الملك لم يعدل عن مقاصده الإجرامية .AA 592.3
وجد داود ملجأ لأبويه عند ملك موآب ، وحينئــذ أنذره أحد أنبياء الرب بوجود خطر يتهدده ، فهرب من ذلك المخبأ إلى وعر حارث . إن ذلك الاختبار الذي كان داود يمر فيه لم يكن عقيما أو غير لازم ، فلقد جعله الـلــه يمر في طور تدريب . ليؤمله لأن يكون قائدا حكيما وملكا عادلا رحيما . ومع جماعة الهاربين الذين رافقوه كان يتلقى إعدادا ليضطلع بعمل شاول الذي بسبب غضبه الإجرامي ونزقه الأعمى كان كل يوم يمر به يزيد من عدم لياقته للقيام به . إن من يبتعدون عن مشورة الـلــه لا يمكنهم الاحتفاظ بالهدوء والحكمة اللذين بواسطتهما يمكنهم أن يتصرفوا بالعدل والفطنة . لا جنون مخيف جدا ولا يرجى منه خير كاتباع الحكمة البشرية التي لا تسترشد بحكمة الـلــه .AA 593.1
كان شاول يعد العدة لاصطياد داود والقبض عليه وهو في مغارة عدلام ، فلما علم أن داود ترك ذلك المخبأ استشاط غضبا ، إذ كان هروب داود سرا غامضا في نظر شاول ، لم يمكنه تعليله إلا باعتقاده أن هناك خونة في المعسكر وأنهم أخبروا ابن يسى بمقاصد الملك .AA 593.2
أكد شارل لمشيريه بأن مؤامرة قد حيكت ضده ، وبواسطة الرشوة والهبات السخية والوظائف الفخرية طلب منهم أن يكشفوا له عمن صار صديقا لداود بين شعبه ، ولذا صار دواغ الأدومي واشيا . فهذا الرجل إذ كان مسوقا بروح الطموح والجشع ، وبكراهيته للكاهن الذي كان قد وبخه على خطاياه ، أخبر الملك بزيارة داود لأخيمالك ، فكان تمثيله للأمر مثيرا لغضب الملك ضد رجل الـلــه . إن كلمات ذلك اللسان المخترع المفاسد والمضطرم بنار جهنم أثار غضبا هائلا في نــفـــس شاول . وإذ أثاره الغضب إلى حد الجنون أعلن الملك أن كل أسرة الكاهن يجب أن تهلك . وقد نفذ ذلك القرار المرعب ، فلم يقتل أخيمالك وحده بل كل أفراد بيت أبيه - خمسة وثمانون رجك لابسي أفود كتان كل هؤلاء قتلهم دواغ بيده الآثمة وبأمر الملك.AA 593.3
( وضرب نوب مدينة الكهنة بحد السيف . الرجال والنساء والأطفال والرضعان والثيران والحمير والغنم ) لقد استطاع شاول أن يفعل ذلك وهو تحت تـأثـيــر الشيطان . إن الـلــه حين قال إن إثم العمالقة قد كمل وأمر شاول بإهلاكهم هلاكا شاملا ظن أنه أرحم من أن ينقذ حكم الـلــه ، وعفا عمن كان محكوما عليه بالهلاك . أما الآن فبدون أن يتلقى أمرا من الـلــه وهو تحت سيطرة الشيطان أمكنه أن يذبح كهنة الرب ويجلب الخراب على نوب وسكانها . إلى هذا الحد يبلغ فساد القلب البشري الذي يرفض إرشادات الـلــه .AA 593.4
إن ذلك العمل القاسي ملأ قلوب كل رجال إسرائيل رعبا ، وذلك الملك الذي قد اختاروه لأنفسهم هو الذي ارتكب ذلك الجرم الشنيع ، وقد عمل ما يعمله ملوك الأمم الأخرى التي لا تخاف الـلــه . لقد كان في حوزتهم التابوت ولكن الكهنة الذين كانوا يسألون بكلام الـلــه قتلوا بحد السيف . فما الذي سيحدث بعد هذا .AA 594.1