Loading...
Larger font
Smaller font
Copy
Print
Contents
الاباء والانبياء - Contents
  • Results
  • Related
  • Featured
No results found for: "".
  • Weighted Relevancy
  • Content Sequence
  • Relevancy
  • Earliest First
  • Latest First
    Larger font
    Smaller font
    Copy
    Print
    Contents

    الفصل التاسع والستون—داود يدعى لاعتلاء العرش

    إن موت شاول أزال المخاطر التي بسببها كان داود منفيا ، وأصبح الطريق مفتوحا الآن ليعود إلى بلاده ، ولما انقضت أيام المناحة على شاول ويوناثان فإن ( داود سأل الرب قائلا : أأصعد إلى إحدى مدائن يهوذا ؟ فقال له الرب : اصعد . فقال داود ( إلى أين أصعد ؟) فقال : ( إلى حبرون (. (انظر 2 صموئيل 2 — 4 ، 5 : 1 — 5) .AA 628.1

    كانت حبرون تقع على بعد عشرين ميلا شمالي بئر سبع ، كما كانت تقع تقريبا في منتصف المسافة بين تلك المدينة وموقع أورشليم العتيد ، وقد دعيت أصلا قرية أربع أو مدينة أربع أبي عناق ، ثم سميت ، بعد ذلك ، ممرا . في هذه المدينة كانت مقبرة الآباء المسماة ( مغارة المكفيلة ) وكانت حبرون ملكا لكالب ، كما كانت آنئذ أكبر مدائن يهوذا ، وتقع في واد تحيط به أرض مرتفعة خصبة وحقول مثمرة ، وعند تخومها كانت أجمل كروم فلسطين ، هذا فضلا عن كثير من الأغراس كأشجار الزيتون وغيرها من الأشجار ذات الأثمار .AA 628.2

    وقد استعد داود ورجاله بسرعة لإطاعة أوامر الرب الصادرة اليهم . فسار الرجال الست مئة المسلحون تصحبهم زوجاتهم وأولادهم وغنمهم وبقرهم في طريقهم إلى حبرون . ولدى دخول تلك القافلة المدينة كان رجال يهوذا منتظرين للترحيب بداود كملك إسرائيل العتيد . وفي الحال أجريت ترتيبات لتتوجيه ( ومسحوا هناك داود ملك على بيت يهوذا ) ولكنه لم يبذل أي مجهود ليفرض سلطانه بالقوة على الأسباط الأخرى .AA 628.3

    ومن أول الأعمال التي قام بها الملك المتوج حديثا كان التعبير عن تقديره الرقيق لذكرى شاول ويوناثان . إذ عندما علم بنبأ ذلك العمل الباسل الذي قام به رجال يابيش جلعاد حيث أنقذوا جسدي ذينك القائدين الساقطين ودفنوهما بكل إكرام ، أرسل داود رسلا إلى يابيش بهذه الرسالة : ( مباركون أنتم من الرب ، إذ قد فعلتم هذا المعروف بسيدكم شاول فدفنتموه . والآن ليصنع معكم إحسانا وحقا ، وأنا أيضا أفعل معكم هذا الخير) ثم أعلن لهم أنه قد اعتلى عرش يهوذا ودعا أولئك الذين برهنوا على استقامة قلوبهم أن يعلنوا ولائهم له . AA 628.4

    إن الفلسطينيين لم يعارضوا شعب يهوذا حين مسحوا داود ملكا ، لأنهم صادقوه حين كان هاربا ومنفيا ، ولذك حتى يضايقوا مملكة شاول ويضعفوها . وها هم الآن يرجون ، لكونهم أظهروا إشفاقا وعطفا نحو داود ، أن يؤول سلطانه إلى نفعهم في النهاية ، إلا أن ملك داود لم يكن يخلو من المتاعب ، فمنذ توج ملكا بدأ تاريخ مظلم هو تاريخ التآمر والعصيان . إن داود لم يصل إلى العرش عن طريق الخيانة ، إذ اختاره الله ليكون ملكا على إسرائيل ، ولم يكن هنالك ما يدعوا إلى الشك أو المقاومة . ولكن ما إن اعترف رجال يهوذا به ملكا حتى قام إيشبوشث بن شاول بمساعدة ابنير ونودي به ملكا وجلس على عرش إسرائيل كمنافس لداود .AA 629.1

    لم يكن إيشوبشث إلا ممثلا ضعيفا وعاجزا لبيت شاول بينما كان داود ، بتفوق ، جديرا بتحمل مسؤوليات المملكة . أما أبنير الذي كان العامل الأكبر في تمليك إيشبوشث فقد كان قائد جيش شاول ، وأشهر رجل في إسرائيل . لقد عرف أبنير أن داود قد تعين من قبل الرب ليجلس على عرش إسرائيل ، ولكن بما أنه كان قد تعقبه وطارده سنين طويلة لم يكن يرغب الآن في أن يتبوأ ابن يسى العرش الذي جلس عليه شاول .AA 629.2

    إن الظروف التي مرت بأبنير كشفت عن حقيقة أخلاقه ، فإذا هو رجل طموح وعديم المبادئ . كان عشيرا حميما لشاول ، فـتأثر بروح الملك في احتقار الرجل الذي قد اختاره الله ليلمك على إسرائيل ، ثم زادت بغضته لداود بسبب ذلك التويبخ الجارح الذي وبخه به داود عندما أخذ كوز الماء ورمح الملك من جانبه حين كان نائما في المحلة . كما ذكر كيف أن داود صرخ في مسامع الملك وشعب إسرائيل قائلا لأبنير ( أما أنت رجل ؟ ومن مثلك في إسرائيل ؟ فلماذا لم تحرس سيدك الملك ؟ ... ليس حسنا هذا الأمر الذي عملت . حي هو الرب ، لأنكم أبناء الموت أنتم ، لأنكم لم تحافظوا على سيدكم ، على مسيح الرب ) (1 صموئيل 26 : 15 ، 16) إن هذا التوبيخ قد ألهب قلبه حقدا على داود ، فعزم على إنجاز مأربه الانتقامي ، وخلق الانشقاق في صفوف إسرائيل ، إذ بذلك هو نفسه يتمجد ، فاستخدم ممثل الأسرة الراحلة لينجح مطامحه ، ومآربه الأنانية الخاصة . لقد عرف أن الشعب كانوا يحبون يوناثان وكانوا يعتزون بذكراه ، كما أن الجيش لم ينسوا حملات شاول الأولى الناجحة. فبعزيمة ، يليق بها غرض أفضل تقدم هذا القائد المتمرد لتنفيذ خططه. AA 629.3

    وقد اختيرت محنايم ، الواقعة على شاطئ الأردن الأقصى ، مكانا لسكنى الملك لأنها كانت توفر أعظم الأمن من أي هجوم ، سواء أكان من داود أو من الفلسطينيين . وفي هذه المدينة توج أيشوبشث ملكا . وبايعه الأسباط الذين في شرقي الأردن أولا ، وامتد أخيرا ملكه إلى كل أسبابط إسرائيل ما عدا يهوذا . ولمدة عامين تمتع ابن شاول بكرامته وعظمته في عاصمته المنعزلة . ولكن أبنير إذ كان عاقدا العزم على بسط سلطانه على كل إسرائيل تأهب لإثارة حرب يتخذ فيها زمام المبادرة ، ( وكانت الحرب طويلة بين بيت شاول وبيت داود ، وكان دواد يذهب يتقوى وبيت شاول يذهب يضعف ) .AA 630.1

    أخيرا قلبت الخيانة العرش الذي أقامه المكر والطموح . وإذ اهتاج أبنير على إيشبوشث الضغيف العاجز ، هرب إلى داود ، عارضا عليه أن يجتذب إليه كل أسباط إسرائيل ، فقبل الملك مقتراحته وصرفه مكرما لإنجاز أغراضه . ولكن ترحيب الملك بمثل هذا المحارب الشهير الشجاع أثار حسد يوآب قائد جيش داود ، حيث كان هنالك عداء دموي بين يوآب وأبنير الذي كان قد قتل عسائيل أخا يوآب في أثناء الحرب التي كانت ناشبة بين إسرائيل ويهوذا . وإذ وجد يوآب الفرصة سانحة له ليثأر لدم أخيه ، ويتخلص من ذلك المزاحم المنتظر ، فإنه بكل خسة اغتنم الفرصة ، وترصد لأبنير وقتله .AA 630.2

    وحينما سمع داود بخبر هذا الهجوم الغادر صاح قائلا : ( إبي بريئ أنا ومملكتي لدى الرب إلى الأبد من دم أبنير بن نير . فليحل على رأس يوآب وعلى كل بيت أبيه ) ولكن نظرا لحالة عدم الاستقرار في المملكة وبسب قوة القاتلين ومركزهما - لأن أبيشاي أخا يوآب كان شريكه في القتل - لم يستطع الملك أن ينتقم عن تلك الجريمة الإنتقام الواجب الرادع ، ومع ذلك فإنه أعلن للجميع عن مقته لتلك الجريمة الدامية . وكانت حفلة دفن أبنير مصحوبة بإكرامات عامة . فقد طلب من رجال الجيش وعلى رأسهم يوآب أن يشتركوا في خدمات المناحة حيث يشقون ثيابهم ويلبسون مسوحا . وقد برهن الملك على حزنه إذ صام في يوم الدفن وتبع النعش كأعظم النائحين . وعند القبر نطق بمرثاة كانت توبيخا جارحا للقاتلين . فلقد رثى الملك أبنير قائلا : ( هل كموت أحمق يموت أبنير ؟ يداك لم تكونا مربوطين ، ورجلاك لم توضعا في سلاسل نحاس . كالسقوط أمام بني الإثم سقطت ) .AA 630.3

    إن ذلك التقدير العظيم الدال على كرم الأخلاق الذي أبداه داود نحو من كان عدوه اللدود أكسبه ثقة جميع شعب إسرائيل وإعجابئهم ، ( فعرف جميع الشعب وحسن في أعينهم ، كما أن كل ما صنع الملك كان حسنا في أعين جميع الشعب . وعلم كل الشعب وجيمع إسرائيل ذلك اليوم أنه لم يكن من الملك قتل أبنير بن نير ) وفي محيط أتباعه وخاصة مشيريه الموثوق بهم تحدث الملك عن الجريمة . وإذ اعترف بعجزه الشخصي عن معاقبة القاتلين كما كان يريد ، أسلمهما إلى عدالة السماء قائلا : ( ألا تعلمون أن رئيسا وعظيما سقط اليوم في إسرائيل ؟ وأنا اليوم ضعيف وممسوح ملكا ، وهؤلاء الرجال بنو صروية أقوى مني . يجازي الرب فاعل الشر كشره ) .AA 631.1

    كان أبنير مخلصا في عروضه وبياناته لداود ، إلا أن بواعثه كانت دنيئة وأنانية ، حيث ، بكل إصرار قاوم الملك الذي اختاره الله ، إذ كان ينتظر كرامة لنفسه . لقد هجر القضية التي كان قد خدمها طوال ذلك الوقت ، مدفوعا بدافع الغضب والكبرياء الجريحة والانفعال ، إذ في هربه إلى داود كان يطمع في الحصول على أعظم مراكز الكرامة في خدمته . ولو أنه نجح وتم له ما أراد فإن مواهبه وأطماعه ونفوذه العظيم ، مع عدم تقواه ، كان يمكن أن يتعرض للخطر عرش داود ولسلامة الأمة وازدهارها .AA 631.2

    ( ولما سمع ابن شاول أن أبنير قد مات في حبرون ، ارتخت يداه ، وارتاع جميع إسرائيل ) واتضح أن الملك لن يدوم له طويلا . وحدث بعد ذلك بقليل حادث غدر آخر أتم انحدار تلك القوة الآخذة في الزوال ، ذلك أن اثنين من قواد ابن شاول اغتالاه . فبعدما قطعا رأسه أسرعا به إلى ملك يهوذا على أمل أن يظفرا بعطفه ورضاه. AA 631.3

    مثل ذانك الرجلان أمام داود وبيدهما الدليل الدامي على جريمتهما وقالا له : ( هوذا رأس إيشبوشث بن شاول عدوك الذي كان يطلب نفسك . وقد أعطى الرب لسيدي الملك انتقاما في هذا اليوم من شاول ومن نسله ) ولكن داود الذي كان الله نفسه هو الذي ثبت عرشه والذي خلصه من كل ضيقاته لم يكن يريد أن يثبت سلطانه بالغدر . وقد أخبر ذينك القاتلين بالهلاك الذي أوقعه على ذلك العماليقي الذي افتخر بأنه قتل شاول ، ثم قال : ( فكم بالحري إذا كان رجلان باغيان يقتلان رجال صديقا في بيته ، على سرير ه ؟ فالآن أما أطلب دمه من أيديكما ، وانزعكما من الأرض ؟ وأمر داود الغلمان فقتلوهما ... وأما رأس إيشبوشث فأخذوه ودفنوه في قبر أبنير في حبرون ) .AA 631.4

    بعد موت إيشبوشث كانت هنالك رغبة عامة تجيش في صدور رؤساء إسرائيل ، بأن دواد ينبغي أن يملك على جميع الأسباط ( وجاء جميع أسباط إسرائيل إلى داود ، إلى حبرون ، وتكلموا قائلين : هوذا عظمك ولحمك نحن ) ثم أعلنوا قائلين : ( قد كنت أنت تخرج وتدخل إسرائيل . وقد قال لك الرب : أنت ترعى شعبي إسرائيل ، وأنت تكون رئيسا على إسرائيل . وجاء جميع شيوخ إسرائيل إلى الملك ، إلى حبرون ، فقطع الملك داود معهم عهدا في حبرون أمام الرب ) وهكذا بعناية الله فتح الطريق أمامه ليصل إلى العرش ، كما أنه لم تكن في قلبه مطامع شخصية يريد إشباعها ، لأنه لم يكن يطلب الكرامة التي جاءت إليه تسعى .AA 632.1

    كان هنالك أكثر من ثمانية آلاف رجل من نسل هارون واللاويين يقومون على خدمة داود . كما كان التغيير الذي حدث في أميال الشعب وضاحا وحاسما . فكانت الثورة هادئة وجليلة وملائمة للعمل العظيم الذي كانوا يقومون به . ثم تجمهر في حبرون وفي ضواحيها ما يقرب من نصف مليون نسمة كانوا قبلا من رعايا شاول . فكانت الجبال والسهول حية بالجموع الفقيرة وقد حددت ساعة تتويج الرجل الذي كان قد طرد من بلاط شاول ، وذلك الرجل الذي هرب إلى الجبال والتلال وشقوق الأرض لينجوا بحياته ، أصبح مزمعا الآن أن يحصل على أعطم كرامة يمكن أن ينالها إنسان من بني جنسه . فوقف الكهنة والشيوخ متسربلين بثياب وظيفتهم المقدسة ، والضباط والجنود برماحهم وخوذهم اللامعة ، والغرباء الآتون من بلاد بعيدة - كلهم وقفوا يشهدون حفل تتوج الملك المختار . وقد كان داود متسربلا بالرادء الملكي وسكب رئيس الكهنة دهن المسحة المقدس على رأسه لأن مسح صموئيل له كان نبوة عما سيحدث عن مبايعته الملك . وها قد حان الوقت الذي فيه كرس داود بواسطة ذلك الطقس المقدس لكيون نائبا عن الله . وقد وضع قضيب الملك بين يديه ، وكتب عهد ملكه العادل . وحلف الشعب أمامه يمين الولاء ، ووضع على رأسه التاج ثم انتهت حفلة التتويج . وقد صار لإسرائيل ملك مختار من الله فذاك الذي صبر وانتظر الرب رأى الرب ينجز له وعده . ( وكان داود يتزايد متعظما ، والرب إله الجنود معه ) (2 صموئيل 5 : 10) . AA 632.2

    * * * * *

    Larger font
    Smaller font
    Copy
    Print
    Contents