Loading...
Larger font
Smaller font
Copy
Print
Contents
الاباء والانبياء - Contents
  • Results
  • Related
  • Featured
No results found for: "".
  • Weighted Relevancy
  • Content Sequence
  • Relevancy
  • Earliest First
  • Latest First
    Larger font
    Smaller font
    Copy
    Print
    Contents

    الفصل الثالث والعشرون—ضربات مصر

    ---------------------

    وبموجب تعليمات الملائكة انطلق هارون ذاهبا لملاقاة أخيه الذي كان قد افترق عنه طويلا ، فتقابلا في البرية بالقرب من حوريب حيث تحدثا معا ( فأخبر موسى هارون بجميع كلام الرب الذي أرسله ، وبكل الآيات التي أوصاه بها ) ثم سافرا معا عائدين إلى مصر . وإذ وصلا إلى أرض جاسان جمعا شيوخ إسرائيل ، وردد هارون على مسامعهم كل معاملات الله لموسى ، كما عرض على الشعب الآيات التي أعطاه إياه الله ، ( فآمن الشعب ، ولما سمعوا أن الرب افتقد بني إسرائيل وأنه نظر مذلتهم ، خرّوا وسجدوا) (خروج 4 : 27 — 31 ، والأصحاحات 5 — 10) . AA 222.1

    وكان موسى قد كلف برسالة يبلغها للملك ، فدخل الأخوان إلى قصر فرعون كسفيرين من قبل ملك الملوك ، وتكلما باسمه قائلين : ( هكذا يقول الرب إله إسرائيل : أطلق شعبي ليُعيّدوا لي في البرية ) .AA 222.2

    فقال فرعون : ( من هو الرب حتى أسمع لقوه فأطلق إسرائيل ؟ لا أعرف الرب ، وإسرائيل لا أطلقه ) .AA 222.3

    فـأجاباه بقولهما : ( إله العبرانيين قد التقانا ، فنذهب سفر ثلاثة أيام في البرية ونذبح للرب إلهنا ، لئلا يصيبنا بالوبإ أو بالسيف ) .AA 222.4

    وصلت أخبارهما والاهتمام الذي أثاراه بين الشعب إلى مسامع الملك ، فاشتعل غضبه وقال : ( لماذا يا موسى وهارون تبطلان الشعب من أعماله ؟ اذهب إلى أثقالكما ) لقد أصابت المملكة الخسارة بسبب تدخل هذين الغريبين . وعندما اتجه فكر فرعون إلى هذا الأمر أضاف قائلا : ( هوذا الآن شعب الأرض كثير وأنتما تريحانهم من أثقالهم ) .AA 222.5

    إن بني إسرائيل في سني عبوديتهم كانوا قد اضاعوا معرفتهم لشريعتة الله إلى حد ما ، وحادوا عن وصاياه ، وأصبحوا لا يراعون كرامة يوم السبت . وإن الأعمال التي كان مسخروهم يفرضونها عليهم جعلت تقديس ذلك اليوم أمرا مستحيلا حسب الظاهر . ولكن موسى أبان لشعبه أن الطاعة لله هي أول شرط للنجاة . وقد وصلت إلى آذان مسخريهم أخبارمحاولتهم لاعادة تقديس السبت .AA 222.6

    وإذ ثار الملك واهتاج جدا ساورته الشكوك في أن الإسرائيليين قد يفكرون في القيام بثورة ضد خدمته . إن السخط ينجم عن الكسل ، ولذا اهتم الملك بألا يعطي للشعب وقتا للتآمر الخطر ، ولذلك اتخذ في الحال كل الإجراءات ليشدد عليهم نير العبودية ويسحق روحهم الاستقلالية . ففي نفس اليوم صدرت أوامر زادت بموجبها قسوة العمل وطغيان الملك ، إن مادة البناء العامة في تلك البلاد كانت هي اللبن المجفف في الشمس ، فإن جدران أفخم المباني كانت تقام من هذا اللبن ثم تغطى بالحجر ، وكانت عملية صنع اللبن تتطلب وجود كثير من العبيد ، وكان هذا العمل يتطلب أيضا وجود كميات كثيرة من التبن الذي يخلط بالطين لكي يظل متماسكا . وقد أمر الملك في تلك الآونة ألا يعطى لأولئك العبيد تبن ، بل كان عليهم أن يخرجوا للبحث عنه بأنفسهم ، على ألا ينقص من عملهم شيء .AA 223.1

    تضايق الإسرائيليون في كل البلاد من هذا الأمر أشد الضيق ، وكان مسخرو فرعون قد أقاموا مدبرين من بني إسرائيل ليشرفوا على عمل الشعب ، وكان أولئك المدبرون مسؤولين عن العمل الذي كان يعمله من كانوا تحت رقابتهم ، فلما خرج أمر الملك إلى حيز التنفيذ تشتت الشعب في كل البلاد بحثا عن القش ليستعيضوا به عن التبن . ولكنهم وجدوا أنه من المستحيل عليهم أن يكملوا العمل المفروض عليهم ، فبسبب هذا العجز ضرب مدبرو بني إسرائيل بكل قوة .AA 223.2

    لقد ظن هؤلاء المدبرون أن الظلم جاءهم من المسخرين لا من الملك نفسه ولذلك ذبهوا إليه يشكون من ظلمهم . ولكن فرعون قابل احتجاجهم بالتعبير قائلا : ( متكاسلون أنتم ، متكاسلون لذلك تقولون : نذهب ونذبح للرب ( ولقد أمروا بالعودة إلى أثقالهم ، وأعلن فرعون أن الأعمال المفرووضة عليهم لن تخفف ، ففي عودتهم رأوا موسى وهارون فقالوا : ( ينظر الرب إليكما ويقضي ، لأنكما أنتنتما رائحتنا في عيني فرعون وفي عيون عبيده حتى تعطيا سيفا في أيديهم ليقتلونا ) .AA 223.3

    فلما سمع موسى هذه التعييرات تضايقت نفسه جدا . فلقد زاد العذاب الذي حاق ببني شعبه . وفي طول البلاد وعرضها صعدت صرخات اليأس من أفواه الصغار والكبار ، واتهمه الجميع بأنه هو السبب في إبدال حالتهم من سيئ إلى أسوأ ، ففي مرارة نفسه رجع موسى إلى الرب قائلا : ( يا سيد ، لماذا أسأت إلى هذا الشعب ؟ لماذا أرسلتني ؟ فإنه منذ دخلت إلى فرعون لأتكلم باسمك ، أساء إلى هذا الشعب . وأنت لم تخلص شعبك ( فجاءه الجواب يقول : ( الآن تنظر ما أنا أفعل بفرعون . فإنه بيد قوية يطلقهم ، وبيد قوية يطردهم من أرضه ) ومرة أخرى أشار الرب إلى عهده الذي سبق أن أبرمه مع آبائه وأكد له أن لا بد من إتمامه .AA 224.1

    وطيلة سني العبودية في مصر كانت بين بني إسرائيل بقية قد تمسكت بعبادة الله ، فهؤلاء القوم تضايقوا أشد الضيق وهم يرون أولادهم يشهدون رجاسات الوثنيين يوميا ، بل أيضا يحنون ركبهم للآلهة الكاذبة ، ففي ضيقة نفوسهم صرخوا إلى الرب للنجاة من تحت نير مصر ليتحرروا من تأثير الوثنية المفسد . إنهم لم يخفوا إيمانهم بل أعلنوا للمصريين أن إلههم هو صانع السماوات والأرض ، الإله الحي الحقيقي وحده . وقد ردووا على أسماعهم براهين وجوده وقدرته مند بدء الخليقة إلى أيام يعقوب . وهكذا كانت للمصريين فرصة للتعرف بديانة العبرانيين . ولكن لكونهم استنكفوا من أن يتلقوا المعرفة من عبيدهم حاولوا إغواء عبيد الله بالوعد والمكافأة فلما لم تفلح هذه الحيلة لجأوا إلى التهديد والقسوة .AA 224.2

    ولقد حاول شيوخ إسرائل أن ينعشوا إيمان إخواتهم الخائر بترديد المواعيد التي قدمت للآباء وترديد الكلمات النبوية التي نطق بها يوسف قبيل موته ، إذ أعلن مسبقا أمر نجاتهم من مصر . فبعضهم أصغوا وآمنوا ، بينما آخرون نظروا إلى الظروف المحزنة المحيطة بهم فرفضوا الجراء . وإذ علم المصريون بما تناقلته أفواه العبيد سخروا بآمالهم ، وبكل احتقار أنكروا قوة إلههم ، ووجهوا التفاتهم إلى مركزهم كأمة من العبيد وجعلوا يعيرونهم قائلين : ( لو كان إلهكم عادلا ورحيما وله قوة تفوق قوة آلهة مصر فلماذا لم يجعلكم أمة من الأحرار ؟ ثم وجهوا التفاتهم إلى حالتهم هم . لقد عبدوا آلهة اعتبرها الإسرائيليون آلهة كاذبة ، و مع ذلك فقد كانوا أمة غنية و قوية ، و أعلنوا أن آلهتهم قد منحتهم النجاح وسخرت الاسرائلين لخدمتهم ، وكانوا يفخرون بقوتهم على إذلال عابدي الرب وإهكلاكهم ، وافتخر فرعون نفسه بأن إله العبرانيين لا يستطيع أن ينقذهم من يده .AA 224.3

    فمثل هذا الأقوال لاشت آمال كثيرين من الإسرائليين ، وظهرت قضيتهم في نظرهم كما قد صورها المصريون . نعم إنهم كانوا عبيدا ، وكان لا بد لهم من أن يتحملوا كل ما أراد مسخروهم أن يوقعوه عليهم من اضطهاد ، وكان أولادهم يطاردون ويقتلون ، كما كانت حياتهم هم عبئا ثقيلا ، ومع ذلك فقد كانو يعبدون أله السماء . فلو كان إلههم متعاليا فوق كل الألهة حقا ما كان يتركهم هكذا عبيدا لأولئك الوثنيين . ولكن أولئك الذين كانوا أمناء لله أدركوا أنه من حيث أن نبي إسرائيل قد تركوه وارتدوا عنه ، ومن حيث أنهم كانوا يميلون إلى التزوج بالوثنيين — الأمر الذي جعلهم يعتنقون الوثنية - سمح الرب بأن يصيروا عبيدا وبكل ثقة أكدو لإخوتهم أن الله سيكسر نير مسخريهم قريبا .AA 225.1

    كان العبرانيون ينتظرون أن يحصلوا على حريتهم بدون أن يختبر إيمانهم وبدون أن يقع عليهم أي ضيق أو ألم أو شدة ، الا أنهم لم يكونوا مهيئين للحرية بعد ، وكان إيمانهم بالله ضعيفا ، ولم يكونوا راغبين في احتمال ضيقاتهم بصبر إلى أن يجيء الوقت المناسب ليعمل الرب لأجلهم ، وكان كثيرون قانعين بالبقاء في عبودتيهم مفضلين ذلك على احتمال المتاعب التي يتطلبها النزوج إلى أرض غريبة . وقد أصحبت عادات بعضهم شبيهة بعادات المصريين بحيث فضلوا السكنى في مصر ولذلك فالرب لم يحررهم عندما أعلن قدرته لفرعون أول مرة . وقد سيطرة الرب على الأحداث سيطرة كاملة بحيث تكتمل روح الطغيان في قلب الملك فرعون ، ويعلن الرب نفسه لشعبه ، فإذ ينظرون عدالته وقدرته ومحبته سيفضلون الرحيل عن مصر وتكريس أنفسهم لخدمته ، وكان يمكن أن تكون مأمورية موسى أسهل بكثير مما كانت لولا أن كثيرين من بني إسرائيل صاروا في حالة رديئة من الفساد بحيث لم يكونوا راغبين في الرحيل عن مصر .AA 225.2

    أمر الرب موسى بأن يذهب إلى الشعب مرة أخرى ويكرر لهم الوعد بالنجاة مصحوبا بتأكيد جديد برضى الرب ورحمته ، فذهب كما أمر ، ولكنهم لم يريدوا أن يسمعوا ، يقول الكتاب : ( لم يسمعوا لموسى من صغر النفس ، ومن العبودية القاسية ) ومرة أخرى جاءت رسالة من الرب إلى موسى تقول : ( ادخل قل لفرعون ملك مصر أن يطلق بني إسرائييل من أرضه ) فقال موسى لله وهو خائر العزم : ( هوذا بنو إسرائيل لم يسمعوا لي ، فكيف يسمعني فرعون ؟ (. فأمره الرب أن يأخذ معه هارون ويذهبا إلى فرعون ويطلبا منه ( إخراج بني إسرائيل من أرض مصر ) .AA 225.3

    وقد أخبره الرب أن الملك لن يخضع حتى يفتقد الرب مصر بأحكامه وضرباته ويخرج إسرائيل ، مظهرا قدرته الفريدة . وقبل وقوع كل ضربة كان موسى يصف طبيعتها وآثارها حتى ينجو الملك بنفسه منها إن أراد ، وكل قصاص يرفضه الملك سيتبعه قصاص أقسى حتى يتضع قلبه المتكبر ، ويعترف بخالف السماوات والأرض أنه الإله الحي الحقيقي . وقد أراد الرب أن يعطي المصريين فرصة فيها يرون بطل حكمة عظمائهم وعجز قوة آلهتهم متى وقفت تحارب أوامر الرب . إنه سيعاقب شعب مصر على وثنيتهم ، ويخرس تفاخرهم بالبركات التي تمنحهم إياها آلهتهم العديمة الشعور . وإن الله سيمجد اسمه حتى تسمع الامم الأخرى أخبار قدرته فترتعب من عجائبه ، وحتى ينفض شعبه أيديهم من وثنيتهم ويقدموا لجلاله عبادة خالصة .AA 226.1

    ومرة أخرى دخل موسى وهارون إلى بلاط فرعون الملوكي ، فاذ وقفا هناك تحيط بهما الأعمدة العالية والزينات المتلألئة المتألقة ، والنقوش البديعة وتماثيل الآلهة الوثنية ، أما ملك أعظم مملكة في الوجود حينئذ ، وقف ذانك الرجلا اللذان يمثلان الشعب المستعبد ليكررا أمر الرب له بإطلاق إسرائيل ، فطلب الملك منهما أن يأتياه بعجيبة تربهن على أن الرب قد أرسلهما ، وكان الرب قد أرشد موسى وهارون إلى ما يفعلان لو أمرهما فرعون بذلك ، فأخذ هارون العصا وطرحها على الأرض أمام فرعون فصارت حية . فاستدعى الملك ( الحكماء والسحرة ) فلما حضروا ( طرحوا كل واحد عصاه فصارت العصي ثعابين . ولكن عصا هارون ابتلعت عصيتهم ) . فالملك الذي زاد تصميمه على العصيان أعلن أن السحرة متساوون مع موسى وهارون في القوة ، وحكم على خادمي الرب بأنهما محتالان ، وأحس بأنه سيكون مطمئنا لو قاوم أوامرهما . ولكن مع كونه احتقر رسالتهما فقد منعته قدرة الله عن إيذائهما .AA 226.2

    إن القوة التي كان يمكلها موسى وهارون لم تكن قوة أي إنسان ولا تأثير أي إنسان بل كانت قدرة الله التي بها عملا الآيات على مرأى من فرعون . كانت الغاية من تلك الآيات والعجائب إقناع فرعون بأن ( أهيه ) هو الذي أرسل موسى ، وأن على الملك أن يطلق إسرائيل ليعبدوا الله الحي . وقد عمل السحرة أيضا بعض الآيات أمام فرعون لأنهم لم يصنعوها بقوتهم أو مهارتهم ، بل بقوة ‘لههم ، الشيطان ، الذي أعانهم على تزييف عمل الرب .AA 226.3

    إن السحرة لم يحولوا عصيهم إلى حيات حقا ، بل بالسحر وبمعونة المخادع الأعظم أمكنهم أن يصنعوا شبه ثعابين . إن الشطيان لم يكن يستيطع تحويل العصي إلى حيات تسعى ، فمع أن سلطان الشر يملك كل الحكمة والقوة التي يمكلها ملاك ساقط ، إلا أنه لا قدرة له على الخلق أو منح الحياة ، فهذا من حق الله وحده . ولكن الشيطان عمل كل ما استطاع عمله ، صنع شيئا زائفا ، فأمام العين البشرية تحولت العصي إلى ثعابين ، وهكذا تصور فرعون ومشيروه . لم يكن هناك فرق ظاهر بينها وبين الحية التي خرجت من عصا موسى . ومع أن الرب جعل حية موسى تبتلع كل الثعابين الزائفة ، فحتى هذه الحية الحقيقية لم يعتبرها فرعون على أنها مظهر من مظاهر قدرة الله ، بل على أنها نوع من السحر يفوق سحر عبيده .AA 227.1

    أراد فرعون أن يبرر عناده في مقاومته لأمر الرب ، ولهذا كان يبحث عن عذر يقدمه عن استخفافه بالعجائب التي صنعها الله على يد موسى . وقد منحه الشيطان نفس ما كان يطلبه ، فبالعمل الذي عمله بواسطة السحرة أبان للمصريين أن موسى وهارون هما ساحران وعرافان ليس إلا ، وأن الرسالة التي أتيا بها لا يمكن إثبات كونها آتية من كائن إلهى سام . وهكذا تممت خدعة الشطيان غرضها وهي تشجيع المصريين على التمادي في العصيان وجعل فرعون يقسي قلبه فلا يقتنع بالحق . وكان الشيطان يؤمل أن يزعزع إيمان موسى وهارون في كون رسالتهما صادرة من الله ، وأن وسائله هو يمكن أن تنتصر ، ولم يكن إبليس يرغب في إطلاق بني إسرائيل من أسر العبودية ليعبدوا الله الحي .AA 227.2

    ولكن رئيس الشر كان له غرض أعمق في إظهار عجائبه بواسطة السحرة . لقد عرف جيدا أن موسى في كسره نير العبودية عن أعناق بني إسرائيل كان يرمز إلى المسيح الذي سيحطم سلطان الخطية عن الأسرة البشرية ، وعرف أن المسيح حين يظهر سيصنع معجزات وآيات وقوات برهانا للعالم على أن الله قد أرسله ، كان الشيطان يرتعد خوفا على سلطانه . فبتزييفه لعمل الله بواسطة موسى كان يؤمل ، لا أن يمنع تحرير إسرائيل فحسب ، بل أن يخلق أيضا تأثيرا في الأجيال اللاحقة من شأنه أن يلاشي الإيمان بمعجزات المسيح . إن الشيطان دائب أبدا في تزييف عمل المسيح لكي يثبت سلطانه وادعاءاته . يحمل الناس على تحليل معجزات المسيح بأنها نتيجة للمهارة البشرية وخفة اليد ، وهكذا يقوض ، في كثير من العقول ، الإيمان بالمسيح كابن الله ويسوق الناس إلى رفض هبات الرحمة المقدمة في تدبير الفداء .AA 227.3

    أمر الرب موسى وهارون بالتوجه إلى شاطئ النهر في صبيحة اليوم التالي حيث كان الملك معتادا أن يذهب . وحيث أن نهر النيل كان بفيضانه مصدر الطعام والثروة لكل مصر كان المصريون يعبدونه كإله ، ولذلك كان الملك يأتي إلى هناك كل يوم ليقدم عبادته وسجوده . وقد كرر الأخوان ( موسى وهارون ) رسالتهما في مسمع الملك ، ومن ثم مدا أيديهما بالعصا وضربا بها الماء . فتحول ماء ذلك النهر المقدس إلى دم ، ومات السمك الذي فيه وصارت مياهه كريهة الرائحة . وكل المياه التي في البيوت وفي كل مجتمعات المياه استحالت إلى دم . ( فعل عرافو مصر كذلك بسحرهم ) ( ثم انصرف فرعون ودخل بيته ولم يوجه قلبه إلى هذا أيضا ) وبقيت الضربة مستقرة على النهر سبعة أيام بلا جدوى .AA 228.1

    ومرة أخرى مدت العصا إلى المياه فخرجت الضفادع من النهر على كل البلاد ، وغطت كل الأرض ودخلت البيوت واحتلت الأسرة والمخادع وحتى التنانير والمعاجن . كان المصريون يقدسون الضفدعة وكان محرما عليهم قتلها . ولكن ذلك الطاعون اللزج القذر لم يعد أحد يستيطيع احتماله ، ودخلت الضفادع إلى قصر فرعون نفسه ، وضجر الملك وأراد التخلص منها . أما السحرة الذين سبق فظهر كأنما باستطاعتهم أن يصنعوا ضفادع فلم يستطيعوا الآن أن يطردوها أو يرفعوها . وإذ رأى فرعون ذلك اتضع قلبه قليلا ، فأرسل في استدعاء موسى وهارون وقال لهما : ( صليا إلى الرب ليرفع الضفادع عني وعن شعبي فأطلق الشعب ليذبحوا للرب ) فبعدما ذكرا الملك بافتخاره السابق طلبا منه أن يعيّن لهما متى يصليان لأجله لترتفع الضربة ، فعين لهما اليوم التالي ، على أمل أنه في خلال هذه المدة ستنقطع الضفادع من تلقاء ذاتها ، وهكذا ينقذ نفسه من ذل الخضوع لإله اسرائيل ، ومع ذلك بقيت الضربة إلى أن أتى الميعاد المتفق عليه ، ثم ماتت كل الضفادع في أرض مصر ، ولكن رائحة أجسامها العفنة أفسدت الهواء .AA 228.2

    كان الرب يستطيع أن يجعل تلك الضفادع تتحول إلى تراب في لحظة ، ولكنه لم يفعل ذلك لئلا بعد إزالتها يقول الملك وشعبه أن ذلك جاء نتيجة عرافة أو سحر كعمل السحرة . ماتت الضفادع فكوموها أكواما. وهنا ظهر للملك ولشعبه برهان لم تستطع كل فلسفتهم الباطلة أن تناقضه ، وهو أن هذا العمل لم يكن بفعل السحر بل كان دينونة من إله السماء . AA 228.3

    ( فلما رأى فرعون أنه قد حصل الفرج أغلظ قلبه ) . وبأمر الرب مد هارون يده فصار تراب الأرض بعوضا في كل أرض مصر ، فدعا فرعون السحرة ليفعلوا كذلك فلم يستطيعوا ، وظهر هنا أن عمل الله أسمى وأعظم من عمل الشيطان ، واعترف السحرة أنفسهم قائلين : ( هذا إصبع الله ) ومع ذلك فلم يتأثر الملك .AA 229.1

    لم تترك تلك الأوامر والإنذارات أثرا ، فوقعت على البلاد ضربة أخرى ، وقد سبق الإنذار بوقت حدوثها قبل وقوعها حتى لا يقول أحد أن ذلك إنما حدث عرضا . فامتلأت الدور من الذبان وتجمع الذباب بكثرة على الأرض . ( وفي كل أرض مصر خربت الأرض من الذبان ) كان هذا الذباب كبير الحجم ومسما ، وكانت لسعاته تسبب آلاما شديدة للناس والبهائم . وكما سبق موسى فأنبأ لم تصل هذه الضربة إلى أرض جاسان .AA 229.2

    وهنا قال فرعون أنه يسمح لنبي إسرائيل أن يذبحوا للرب في أرض مصر ، ولكن رفضوا قبول هذه الشروط ، فقال موسى : ( لا يصلح أن نفعل هكذا ، لأننا إنما نذبح رجس المصريين للرب إلهنا . إن ذبحنا رجس المصريين أمام عيونهم أفلا يرجموننا ؟ ) إن تلك الحيوانات التي كان يطلب من بني إسرائيل أن يقدموها للرب كانت مقدسة في نظر المصريين ، وكان اعتبارهم لهذه الحيوانات عظيما جدا بحيث أن قتلها ، أو ذبحها ، ولو عن غير قصد ، كان جريمة قصاصها الموت. وكان من المستحيل على العبرانيين أن يعبدوا الرب في مصر دون أن يستاء سادتهم ، فاقترح موسى مرة أخرى أن يذهبوا سفر ثلاثة أيام في البرية ، فقبل فرعون وطلب من موسى وهارون أن يتوسلا إلى الله حتى يرفع تلك الضربة ، فوعداه بذلك ، ولكنهما حذراه من المخاتلة معهما . وقد رفعت الضربة ، ولكن قلب الملك تقسى بإصرار على العصيان فلم يخضع للرب .AA 229.3

    وتبع ذلك ضربة أقسى من سابقاتها . وهي وباء على كل مواشي المصريين التي في الحقل — على الحيوانات المقدسة والحيوانات حاملات الأثقال ، البقر والثيران والغنم والخيل والجمال والحمير ، هذه كلها هلكت . وقد تقرر أن مواشي العبرانيين ستنجو ، ولما أرسل فرعون رسله إلى مساكن الإسرائليين تحقق من صدق قول موسى . ( وأما مواشي بني إسرائيل فلم يمت منها واحد ) ، ومع ذلك فقد ظل الملك سادرا في عناده .AA 229.4

    بعد ذلك أمر الرب موسى أن يأخذ من رماد الآتون ويذريه نحو السماء أمام عيني فرعون ، وقد كان لهذا العمل معنى عميقا جدا ، قبل ذلك بأربع مئة سنة كان الله قد كشف لإبراهيم عن العبودية والظلم اللذين سيحيقان بشعبه تحت رمز تنور دخان ومصباح نار ، وقد أعلن أنه سيفتقد أولئك الظالمين بضرباته وأحكامه ، ويخرج أولئك الأسرى بأملاك جزيلة . وقد تألم إسرائيل في مصر سنين طويلة حين اجتاز في كور المشقة ، فهذا العمل الذي عمله موسى ( تذرية الرماد ) كان تأكيدا للشعب بأن الله لا يزال يذكر عهده وأن وقت خلاصهم قد حان .AA 230.1

    وحالما ذري الرماد نحو السماء غطت الذرات الدقيقة كل أرض مصر ، وأينما نزل ( صار دمامل بثور طالعة في الناس وفي البهائم ) قبل الآن كان الكهنة والسحرة يشجعون فرعون على التمادي في قسوته وعناده ، أما الآن فقد وصلت هذه الضربة حتى إليهم إذ طلعت الدمامل في أجسامهم . فلما ضربوا بذلك المرض المؤلم الكريه خذلتهم قوتهم التي كانوا يفخرون بها ، فعادوا غير قادرين على تحدي إله إسرائيل أو محاربته ، وهذا جعل الأمة كلها ترى جهالة وضع ثقتهم في السحرة الذين أمسوا عاجزين عن حماية أنفسهم من الضربات .AA 230.2

    ازداد قلب فرعون صلابة . فأرسل الرب إليه رسالة تقول : ( هذه المرة أرسل جميع ضرباتي إلى قلبك وعلى عبيدك وشعبك ، لكي تعرف أن ليس مثلي في كل الأرض .. ولكن لأجل هذا أقمتك ، لكي أريك قوتي ) وليس معنى هذا أن الله خلقه لأجل هذا الغرض ، بل أن عنايته تسلطت على الحوادث فأجلسته على العرش في نفس الوقت المعين لتحرير إسرائيل من العبودية ، ومع أن هذا الطاغية المتغطرس قد أضاع حقه في رحمة الله بجرائمه فإن حياته قد حفظت ، حتى عن طريق عناده يعلن الرب عجائبه في أرض مصر . إن ترتيب الحوادث هو من عمل عناية الله ، فقد كان يمكنه أن يجلس على عرش مصر ملكا أكثر رحمة من هذا فلا يتجاسر أن يقف ليحارب ويقاوم مظاهر قدرة الله العظيمة ، ولكن في هذه الحالة لم تكن مقاصد الله لتتم . فلقد سمح لشعبه أن يذوقوا مرارة قسوة المصريين الساحقة حتى لا ينخدعوا بما يتعلق بتأثير الوثنية المفسد . ففي معاملة الله لفرعون أظهر الرب كراهيته للوثنية وعزمه على معاقبة القسوة والظلم .AA 230.3

    لقد سبق الله فأعلن عن فرعون قائلا : ( أشدد قلبه حتى لا يطلق الشعب ) (خروج 4 : 21) . لم تستخدم قوة فائقة الطبيعة لتقسي قلب الملك . لقد أعطى الله لفرعون أعظم برهان مدهش على قدرته الإلهية ، ولكن ذلك الملك بكل عناد رفض الالتفات إلى النور ، ففي كل مرة رفض فيها مظاهر قدرة الله غير المحدودة ازداد إصرارا على العصيان . إن بذور العصيان التي زرعها عندما رفض أول معجزة آتت ثمارها ، ولما ظل سائرا في طريقه موغلا في عناده زاد قلبه قساوة حتى اضطر أخيرا أن يتفرس في وجوه القتلى من الأبكار .AA 230.4

    إن الله يكلم الناس بواسطة خدامه ، مقدما لهم تحذيراته وإنذاراته وموبخا الخطية ، وهو يعطي لكل واحد فرصة لإصلاح أخطائه قبلما تصير هذه الأخطاء عادات متحكمة فيه يصعب استئصالها . أما إذا رفض أحد الإصلاح فإن قدرة الله لن تتدخل لمقاومة أمياله وأعماله ، إنه يجد من السهل عليه أن يسير في نفس الطريق الذي سار فيه من قبل ، ويقسي قلبه ضد تأثير الروح القدس . و متى رفض النور بعد ذلك فهو يضع نفسه في وضع لا يستطيع معه تأثير أقوى أن يطبع فيه أثرا ثابتا .AA 231.1

    إن من استسلم للتجربة أول مرة سيخضع لها بأكثر سهولة في المرة التالية ، وكلما كرر ارتكاب الخطية ازدادت قوة مقاومته لها ضعفا ، فتعمى عيناه ويخمد تبكيت ضميره . كل بذرة من بذار الانغماس في الخطية لا بد من أن تثمر . والله لا يصنع معجزة ليحول بين الإنسان وحصاد ما قد زرعه ، ( الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضا ) (غلاطية 6 : 7) . فإن من يبدي وقاحة الحادية ولا مبالاة سمجة نحو الحق الإلهي فهو إنما يحصد ما قدر زرعه بنفسه . هذا هو السبب في الللامبالاة السمجة التي بها يصغي جماهير الناس إلى الحقائق الإلهية التي سبق فأثارت نفوسهم وألهبت قلوبهم . لقد زرعوا إهمالا ومقاومة للحق ، ومثله يكون الحصاد الذي يحصدون .AA 231.2

    إن الذين يحاولون إسكات ضمائرهم بالفكر أنهم يستطيعون أن يغيروا طريق الشر الذي يسلكون فيه متى أرادوا ، وأنه يمكنهم أن يستخفوا بدعوات الرحمة ، ومع ذلك يتأثرون مرارا عديدة ، فإن سيرهم في هذا الطريق هو مخاطرة . يظنون أنهم ، بعدما ألقوا بكل تأثيرهم في جانب العاصي الأكبر ، يستطيعون ، في لحظة من لحظات الحاجة القصوى وحين تكتنفهم المخاطر ، أن يتخذوا قائدا آخر . ولكن ذلك لا يمكن أن يتم بمثل هذه السهولة ، فالاختبار والثقافة وتدريب الحياة والانغماس في السر قد شكلت أخلاقهم بحيث لا يمكن أن تنطبع عليها صورة المسيح . فلو لم يكن النور قد أشرق على طريقهم لكان الأمر يختلف . إذ كان يمكن للرحمة الإلهية أن تتدخل وتعطيهم فرصة لقبول عروضها . ولكن بعدما رفض الإنسان النور واحتقره طويلا فلا بد من أن يؤخذ منه نهائيا .AA 231.3

    بعد ذلك صار فرعون مهددا بضربة البرد ، وقد أرسل إليه هذا الإنذار : ( فالآن أرسل احم مواشيك وكل مالك في الحقل . جميع الناس والبهائم الذين يوجدون في الحقل ولا يجمعون إلى البيوت ، ينزل عليهم البرد فيموتون ) لم يكن المطر أو البرد أمرا عاديا في مصر ، ولم يسبق لأحد أن شاهد مثل تلك العاصفة التي أنبئ بها . انتشر الخبر بسرعة ، وكل الذين آمنوا بكلمة الرب هربوا بمواشيهم إلى البيوت . ولكن جميع الذين احتقروا الإنذار تركوا مواشيهم في الحقل ، وهكذا ففي وسط أحكام الله ظهرت رحمته ، وامتحن الناس ، وظهر كم منهم خافوا الله عند إظهار قدرته .AA 232.1

    هبت العاصفة كما قد أنبئ عنها ، رعد وبرد ونار مختلطة بالبرد . ( شيء عظيم جدا لم يكن مثله في كل أرض مصر منذ صارت أمة . فضرب البرد في كل أرض مصر جميع ما في الحقل من الناس والبهائم . وضرب البرد جميع عشب الحقل وكسر جميع شجر الحقل ) فالدمار والخراب الذي حدث بين الطريق الذي سلكه الملاك المهلك ، إنما أرض جاسان وحدها هي التي نجت من هذه الضربة . واتضح للمصريين أن الأرض هي تحت سلطان الله الحي ، وأن العناصر طوع أمره ، وأن السلامة الحقيقية هي في الطاعة له .AA 232.2

    ارتاعت كل مصر عندما انصبت عليها صواعق دينونة الله المخيفة ، وأسرع فرعون يستدعي الأخوين ، وصرخ قائلا : ( أخطأت هذه المرة . الرب هو البار وأنا وشعبي الأشرار . صليا إلى الرب ، وكفى حدوث رعود الله والبرد ، فأطلقكم ولا تعودوا تلبثون ) فكان جواب موسى : ( عند خروجي من المدينة أبسط يدي إلى الرب ، فتنقطع الرعود ولا يكون البرد أيضا ، لكي تعرف أن للرب الأرض . وأما أنت وعبيدك فأنا أعلم أنكم لم تخشوا بعد من الرب الإله ) .AA 232.3

    عرف موسى أن النضال لم ينته بعد ، وأن اعترافات فرعون ووعوده لم تكن نتيجة تغيير جوهري في عقله أو قلبه ، ولكنه أجبر على النطق بها بسبب رعبه وآلامه ، ومع ذلك فقد قبل موسى طلبه ، لأنه لم يرد أن يعطيه مجالا للتمادي في عناده ، فخرج النبي إلى خارج غير عابئ بعنف العاصفة ، وكان فرعون وعبيده شهودا لقوة الرب في حفظ رسوله ، فبعدما خرج موسى من المدينة )بسط يديه إلى الرب ، فانقطعت الرعود والبرد ولم ينصب المطر على الأرض ) ولكن ما أن زايلت الملك مخاوفه حتى عاد قلبه إلى تمرده وفساده .AA 232.4

    حيئنذ قال الرب لموسى : ( ادخل إلى فرعون ، فإني أغلظت قلبه وقلوب عبيده لكي أصنع آياتي هذه بينهم . و لكي تخبر في مسامع ابنك وابن ابنك بما فعلته في مصر ، و بآياتي التي صنعتها بينهم ، فتعلمون أني أنا الرب ) لقد أظهر الرب قدرته ليثبت إيمان إسرائيل فيه أنه الإله الحي الحقيقي الوحيد . وأراد أن يبرهن لهم ، بما لا يقبل الشك ، عن الفارق الذي جعله بينهم وبين المصريين ، ويعترف كل الأمم بأن العبرانيين الذين قد احتقروهم وظلموهم كانوا تحت حماية اله السماء .AA 233.1

    أنذر موسى الملك بأنه إن ظل ممعنا في عناده فالرب سيرسل عليه وعلى أرضه ضربة الجراد الذي يغطي وجه الأرض ويأكل ما بقي من العشب الأخضر ، وسيملأ الجراد البيوت حتى قصر الملك نفسه ، وقال له : ( الأمر الذي لم يره آباؤك ولا آباء آبائك منذ يوم وجدوا على الأرض إلى هذا اليوم ) .AA 233.2

    وقف مشيرو فرعون ذاهلين ، لقد خسرت الدولة خسارة فادحة من جراء موت المواشي ، ومات كثيرون من الشعب بسبب ضربة البرد . تكسرت أشجار الغابات وتلفت محاصيل الأرض ، وها هم يخسرون سريعا كل ما كسبوه من تعب العبرانيين وكدهم ، والبلاد كلها مهددة بخطر مجاعة ، فتقدم الأمراء والندماء وكلموا الملك في غضب قائلين : ( إلى متى يكون هذا لنا فخا ؟ أطلق الرجال ليعبدوا الرب إلههم . لم تعلم بعد أن مصر قد خربت ؟ (AA 233.3

    فدعي موسى وهارون مرة أخرى وقال لهما الملك : ( اذهبوا اعبدو الرب ولكن من ومن هم الذين يذهبون ؟ ) .AA 233.4

    فجاءه الجواب : ( نذهب بفتياننا وشيوخنا . نذهب ببنينا وبناتنا ، بغنمنا وبقربنا ، لأن لنا عيدا للرب ) .AA 233.5

    فامتلأ الملك غضبا وصاح قائلا : ( يكون الرب معكم هكذا كما أطلقكم وأولادكم . انظروا ، إن قدام وجوهكم شرا . ليس هكذا . اذهبوا أنتم الرجال واعبدوا الرب . لأنكم لهذا طالبون » فطرد من لدن فرعون ( لقد حاول فرعون أن يقتل الإسرائليين بالعمل المضني ، ولكنه هنا يتظاهر بأنه مهتم بخيرهم ، وأنه يرعى صغارهم ، وإنما كان قصده إبقاء النساء والأولاد رهائن حتى يعود الرجال .AA 233.6

    والآن فها موسى يمد عصاه على أرض مصر فتهب ريح شرقية وتسوق الجراد . ( شيء ثقيل جدا لم يكن قبله جراد هكذا مثله ، ولا يكون بعد كذلك ) لقد غطى الأرض حتى أظلمت وأكل كل شيء أخضر مما بقى . فاستدعى فرعون النبيين بسرعة وقال لهما ( أخطأت إلى الرب إلهكما وإليكما . والآن اصفحا عن خطيتي هذه المرة فقط ، وصليا إلى الرب إلهكما ليرفع عني هذا الموت فقط ) ففعلا كذلك فحملت ريح غربية قوية الجراد وطرحته إلى بحر سوف ، ومع ذلك فقد ظل الملك كما كان في قسوته وعناده .AA 234.1

    كاد شعب مصر ييأسون ، فالضربات التي حلت بهم كادت تكون فوق طوق احتمالهم ، وكانوا في خوف شديد مما يأتي به الغد . لقد كان المصريون يعبدون فرعون على أنه ممثل إلههم ونائبه ، ولكنهم اقتنعوا الآن أنه قد وقف يتحدى إلها آخر جعل كل قوى الطبيعة خاضعة لإرادته ، أما العبيد العبرانيون الذين ميزهم الرب على مستعبديهم بعجائب إلهية فكانوا واثقين من النجاة ، ولم يعد مسخروهم يجسرون على مضايقتهم كما كانوا قبلا يفعلون ، وانتشر في طول البلاد وعرضها خوف خفي من أن تلك الأمة المستعبدة ستقوم وتثأر لنفسها من المصريين بسبب مظالمهم . وفي كل مكان كان الناس يتساءلون عما سيحدث بعد ذلك .AA 234.2

    وفجأة انتشر في سماء البلاد ظلام دامس بحيث يكاد ( يُلمس الظلام ) فلم يحرم الشعب المصري من النور فقط بل أن الهواء كان خانقا حتى لقد كان من الصعب على الإنسان أن يتنفس . ( لم يبصر أحد أخاه ، ولا قام أحد من مكانه ثلاثة أيام . ولكن جميع بني إسرائيل كان لهم نور في مساكنهم ) كان المصرييون يتبعدون للشمس والقمر ، ففي هذه الظلمة العجيبة ضرب المصريون وآلهتهم بالقوة التي تولت الدفاع عن العبيد ، ومع أن هذه الظلمة كانت مخيفة فقد كانت دليلا على رأفة الله وعلى كونه لا يريد أن يهلك أحدا ، فقد أراد أن يعطي الناس فرصة للتأمل والتوبة قبلما يصب عليهم الضربة الأخيرة التي هي أرهب كل الضربات .AA 234.3

    أجبر الخوف الملك فرعون على أن يذعن مرة أخرى . ففي ثالث أيام الظلمة استدعى الملك موسى وقال له إنه قد قبل أن يطلق بني إسرائيل على أن تبقى غنمهم وبقرهم ، فأجابه ذلك العبراني الصادق العزيمة بقوله : ( لا يبقى ظلف .. ونحن لا نعرف بماذا نعبد الرب حتى نأتي إلى هناك ( فاستشاط الملك غضبا حتى لم يستطع أن يضبط نفسه فقال : ( اذهب عني . احترز . لا تر وجهي أيضا . إنك يوم ترى وجهي تموت ( فكان جواب موسى )نعما قلت . أنا لا أعود أرى وجهك أيضا ) .AA 234.4

    ( وأيضا الرجل موسى كان عظيما جدا في أرض مصر في عيون عبيد فرعون وعيون الشعب ) لقد كان المصريون يهابون موسى ، والملك نفسه لم يستطع أن يمد يده إليه بأذى إذ كان الشعب نظرون إليه كمن له وحده السلطان أن يرفع الضربات ، وكانوا يرغبون في رحيل الإسرائيليين عن مصر ، ولكن الملك والكهنة هم الذين قاوموا مطاليب موسى إلى النهاية .AA 235.1

    * * * * *

    Larger font
    Smaller font
    Copy
    Print
    Contents