انعدام روح التضحية لأجل المسيح
وفي هذا التيار الجارف، تيار محبة العالم والسعي في طلب المسرات، تكاد تضيع التضحية لاجل المسيح وانكار الذات. ”ان بعضا من الرجال والنساء الذين يمارسون نشاطهم في كنائسنا كانوا قد تعلموا في طفولتهم ان يتدربوا على التضحية حتى يستطيعوا ان يعطوا او يفعلوا شيئا لاجل المسيح“، ولكن ”اذا طُلبت نفقات الآن ... ينبغي الا يطلب من أي واحد ان يعطي . آه كلا ! اعملوا سوقا خيرية واعرضوا لوحات الرسم ومثلوا محاكمة كاذبة او اقيموا وليمة عشاء تقليدية او اي شيء يؤكل، اي شيء فيه تسلية ومتعة للناس“.GC 428.1
اعلن الحاكم واشبرن من وسكونسن في خطابه السنوي في يوم ٩ كانون الثاني (يناير) من عام ١٨٧٣ قائلا: ”يبدو اننا نحتاج الى سن قانون لاغلاق المدارس التي تخرِّج المقامرين . وهذه المدارس توجد في كل مكان . بل حتى الكنيسة (وان يكن ذلك لعدم تيقظها بالطبع) احيانا تعمل عمل الشيطان . فالجوائز التي تقدم الى الجوقات الموسيقية، وجوائز المشاريع، واليانصيب الذي يكون احيانا لاغراض دينية او خيرية ولكن غالبا ما يكون لاغراض اقل لياقة، وبيع الاشياء بأوراق اليانصيب، والطرود الخادعة، كل هذه حيل للحصول على المال من دون مقابل . ليس ما يفسد الاخلاق أو يُسكر الناس، وعلى الخصوص الشباب، مثل احراز المال او الاملاك من دون كد او تعب . فاذا كان الناس المحترمون ينشغلون بهذه المشاريع التي هي رهن الصدفة، ويحاولون اسكات ضمائرهم بالتفكير في أن هذا المال ينفق في ابواب خيرية، فلا غرابة اذا كان شباب الوطن يسقطون مرارا في العادات التي غالبا ما يحدثها اهتياج الالعاب التي فيها مخاطرات“.GC 428.2
ان روح مجاراة العالم تغزو الكنائس في كل العالم المسيحي . ويقدِّم روبرت اتكنز، في عظة له القاها في لندن، صورة قاتمة للانحطاط الروحي المتفشي في بريط انيا فيقول: ”لقد نقص عدد الأبرار الحقيقيين من الارض، ولا أحد يضع ذلك في قلبه . ان المعترفين بالديانة في أيامنا هذه في كل كنيسة محبون للعالم، وهم على شاكلته ومحبون للعزاء والراحة اللذين يأتيانهم من بني الانسان ويتحرقون شوقا الى الظفر باحترام الناس . انهم مد عوون لأن يتألموا مع المسيح ولكنهم ينكمشون حتى أمام التعيير ... ان الارتداد، الارتداد، الارتداد كلمة منقوشة في واجهة كل كنيسة . ولو كانت تلك الكنائس تعرف ذلك وتحس به لكان لها رجاء، ولكن واأسفاه ! فهم يصيحون قائلين: ”اني انا غني وقد استغنيت ولا حاجة لي الى شيء“ (٣٣٤).GC 428.3
ان الخطيئة العظيمة التي اتهمت بها بابل هي انها ”سقت جميع الأمم من خمر غضب زناها“ (رؤيا ١٤ : ٨). وكأس الخمر هذه التي تقدمها الى العالم ترمز الى التعاليم الكاذبة التي قبلتها كنتيجة لعلاقتها غير المشروعة بعظماء الارض. فمصادقتها للعالم تفسد ايما نها، وهي بدورها تبذل جهدا مفسدا للعالم بتقديمها تعاليم مضادة لاوضح مبادئ الكلمة المقدسة واعظمها صراحة.GC 429.1
لقد حجبت روما الكتاب المقدس عن الناس وطلبت منهم جميعا أن يقبلوا تعاليمها هي بدلا من تعاليم الكتاب . وكان عمل الاصلاح هو اعادة كلمة الله الى الناس، ولكن أ ليس امرا حقيقيا جدا أن الناس في كنائس عصرنا الحاضر يتعلمون ان يركزوا ايمانهم على عقيدتهم وتعليم كنيستهم لا على الكتاب؟ يقول تشارلس بيتشر في معرض كلامه عن الكنائس البروتستانتية: ”انهم يرتعبون لدى سماع اقل كلمة قاسية تقال ضد العقائد بالحساسية العظيمة نفسها التي كان الآباء القديسون يحسونها ويرتعبون بسببها متى سمعوا كلمة جارحة تقال ضد عقيدة الاكرام الزائد للقديسين والشهداء التي تبنوه ا.. وان الطوائف البروتستانتية الانجيلية وقفت كلها صفا واحدا جنبا الى جنب ويدا بيد بحيث لم يكن انسان يستطيع ان يصير واعظا البتة من دون ان يقبل كتابا آخر مع الكتاب المقدس... وليس من باب التصور او الخيال ان نقرر ان قوة العقيدة قد بدأت تحرم الكتاب المقدس مثلما عملت روما سواء بسواء، انما بطريقة اشد مكرا واحتيالا“ (٣٣٥).GC 429.2
عندما يفسر المعلمون الامناء الكتاب ويشرحونه جيدا ينبري رجال العلم والخدام ويقررون أنهم يفهمون الكتاب . وهؤلاء يشهِّرون بالعقيدة السليمة قائلين انها هرطقة، وهكذا يضللون طالبي الحق . ولولا ان العالم قد سكر بخمر بابل بحيث صارت حاله ميئوسا منها لامكن تبكيت جماهير كثيرة وهدايتهم بواسطة حقائق كلمة الله الجارحة . لكن الايمان او العق يدة الدينية تبدو مشوشة ومتنافرة بحيث ان الناس لا يعرفون ما الذي يجب ان يؤمنوا به على انه الحق . فعلى الكنيسة تقع تبعة خطيئة تحجر قلب أهل العالم.GC 430.1
ان رسالة الملاك الثاني المذكورة في رؤيا ١٤ بشَّر بها اولا في عام ١٨٤٤، وقد طبقت حينئذ تطبيقا مباشرا على كنائس ا لولايات المتحدة، فأُعلن الانذار بالدينونة على اوسع مدى، لكنّ الغالبية العظمى رفضوه هناك حيث كان انحطاط الكنائس سريعا جد ا. الا ان رسالة الملاك الثاني لم تتم بالكامل في عام ١٨٤٤. لقد اجتازت الكنائس حينئذ اختبار انهيار ادبي نتيجة لرفضها نور رسالة المجيء، لكن ذ لك الانهيار لم يكن كاملا . فاذ ظلت تلك الكنائس سادرة في رفضها للحقائق الخاصة بهذا الزمن جعلت تنحدر الى اسفل . ومع هذا فانها الى ذلك الحين لم يكن ليصدق عليها القول: ”سقطت بابل ... لانها سقت جميع الامم من خمر غضب زناها“. فهي لم تحمل جميع الامم على فعل ذلك بع د. وما تزال روح مشاكلة العالم وعدم الاكتراث للحقائق الفاحصة لأيامنا موجودة وقد رسخت قدمها في الكنائس التي تعتنق العقيدة البروتستانتية في كل بلدان العالم المسيحي، وكل هذه الكنائس يشملها الانذار الخطير الرهيب المتضمن في رسالة الملاك الثاني. لكنَّ عمل الارتداد لم يصل بعد اقصى غايته.GC 430.2
يعلن الكتاب انه قبل مجيء الرب سيعمل الشيطان ”بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة وبكل خديعة الاثم في الهالكين لانهم لم يقبلوا محبة الحق حتى يخلصوا“. فالذين لم يقبلوا محبة الحق سيُتركون حتى يقبلوا ”عمل الضلال حتى يصدقوا الكذب“ (٢ تسا لونيكي ٢ : ٩ ١١). ولن يكون سقوط بابل كاملاً حتى يتم الوصول الى هذه الحالة ويتم ويبرم الاتحاد بين الكنيسة والعالم في جميع انحاء العالم المسيحي . ان التطور تدريجي ،واتمام النبوة الواردة في رؤيا ١٤ : ٨ على نحو كامل سيكون في المستقبل.GC 430.3