المقدمة

لا ننشر هذا الكتاب، ايها القارئ، ليخبرنا ان في العالم خطيئة وويلاً وشقاء، فاننا نعلم هذا كله علم اليقين . ولا ننشره ليقول لنا ان هنالك عداء مستحكما وصراعاً رهيباً لا هدنة فيه ولا هوادة بين الظلمة والنور، بين الخطيئة والبر، بين الحق والباطل، بين ا لموت والحياة . اننا نعلم هذا في قرارة نفوسنا، ونعلم ايضا اننا شركاء في هذا النضال نقوم بدورنا فيه.GC 5.1

ولكن في بعض الأحيان يداعب نفوسنا الشوق الى معرفة المزيد عن هذا الصراع الهائل : هل بدأ في الزمان أم أزلي هو ؟ ما العناصر التي تدخل في مظاهره المعقدة جداً؟ ما صلت ي به وما مسؤوليتي ؟ لقد وجدت نفسي في هذا العالم من دون اختياري، فهل هذا يعني شرا أم خيرا بالنسبة اليَّ ؟ ما هي المبادئ العظيمة التي تدخل في هذا الصراع، وكم تطول مدته ؟ وماذا تكون نهايته ؟ هل ستغوص هذه الارض، كما يقول لنا بعض العلماء، في أعماق ليل ابدي متجم د مظلم، أم أن أمامها مستقبلاً أفضل يشرق فيه نور الحياة وتنعشه محبة الله الابدية ؟GC 5.2

ثم ان هنالك سؤالا يطرق أبواب قلوبنا قائلا : كيف يمكن أن يؤول الصراع الذي في قلبي، والنضال بين الأنانية المتحكمة والمحبة الدافقة، الى نصرة كاملة حاسمة للخير والصلاح، نصرة أبدية ؟ ماذا يقول كتاب الله ؟GC 5.3

وما الذي يعلمنا إياه الله عن هذه المشكلة التي لها أهمية أبدية لكل نفس ؟GC 6.1

مثل هذه الأسئلة تواجهنا من كل ناحية وهي تأتينا بكل اصرار من أعماق قلوبنا وتطلب إجابة محددة حاسمة .GC 6.2

لا شك في أن الاله الذي خلق في قلوبنا هذا الحنين الى ما هو افضل، الحنين الى الحق، لن يحرمنا من جواب عن كل ما نحتاج الى معرفته، لأن ” السيد الرب لا يصنع أمراً الا وهو يعلن سره لعبيده الأنبياء “ (عاموس ٣ : ٧) GC 6.3

فلكي ندرك مبادئ هذا الصراع العظيم الأهمية والمعلقة عليه حياة الكون بأسره، علينا أن نطلع عليه في هذا الكتاب لان المؤلفة قد بسطته أمامنا في دروس متماسكة محسوسة ملموسة عظيمة الاثر، تغطي العشرين قرنا الأخيرة.GC 6.4

والكتاب يبدأ بالمشاهد الختامية المحزنة من تاريخ أورشليم، مدينة مختاري الله بعد رفضها رجل جلجثة الذي جاء ليخلص . ثم يسير الكتاب قُدُما على طول طريق الامم، ويرينا الا ضطهادات التي حلَّتْ باولاد الله في القرون الاولى، والارتداد العظيم الذي تبع ذلك في كنيسته، ويقظة العالم التي حققها الاصلاح الذي فيه تتجلى بكل وضوح بعض المبادئ العظيمة لذلك الصراع، والدرس المخيف الذي نتعلمه من رفض فرنسا مبادئ الحق والصواب، وانتعاش الكتب المقدسة وتعظيمها، وتأثيرها الصالح المانح الحياة والخلاص، واليقظة الدينية في الأيام الاخيرة، وفك ختوم ينبوع كلمة الله المتألقة نورًا بما فيها من اعلانات عجيبة للنور والمعرفة لمواجهة الطوفان المهلك لكل ضلالات الظلام.GC 6.5

ان هدف هذا الكتاب، أيها القارئ، هو أن يعين النفس المضطربة للحصول على الحل الصائب لكل هذه المشاكل . لقد كتبته سيدة ذاقت الله ووجدته صالحاً، سيدة تعلمت من شركتها مع الله ودرسها لكلمته أن سر الرب لخائفيه وعهده لتعليمهم.GC 6.6

وان النضال الحالي الوشيك الوقوع، بما يتضمنه من مبادئ حيوية، والذي لا يمكن لإنسان أن يلتزم جانب الحياد حياله، قد بسطت مبادئه الحيوية هنا بكل وضوح وقوة.GC 7.1

وفي الختام يخبرنا هذا الكتاب عن النصرة الأبدية المجيدة، نصرة الخير على الشر والحق على الباطل والنور على الظلمة والفرح على الحزن والرجاء على اليأس والمجد على العار والحياة على الموت والمحبة الأبدية الصبور على كل حقد وكراهية.GC 7.2

ولقد كانت الطبعات السابقة لهذا الكتاب واسطة في الاتيان بنفوس كثيرة الى الراعي الأمين . والناشرون يسألون الله ان يجعل هذه الطبعة ذات ثمر وفير لخير النفوس الأبدي.GC 7.3

والمعرب يبتهل اليه تعالى حتى يجعل هذا الكتاب المنقول الى العر بية واسطة فعالة في يده لاجتذاب كثيرين من أبناء شرقنا العربي الى ملكوت النعمة والنور حتى ينالوا بالايمان خلاص ابن الله.GC 7.4

الناشرونGC 7.5